الامبراطورية الغربية ونهاية الديمقراطية...

وقائع يومية تثبت إن الليبرالية الغربية لا علاقة لها بالديمقراطية، وإن كل الإدعاءات الغربية بالديمقراطية كانت كذباً ورياءاً، بدليل النتائج البشعة التي يعيشها العالم اليوم، بعد الحرب الباردة، بفعل تلك السياسات الغربية الليبرالية التي بدت بشاعاتها منذ بدايات القرن الماضي، بدءاً بفترة إمبراطوية الغرب الاستعمارية التي غربت شمسها في منتصف القرن لتشرق من جديد في نهايته بحلة استعمارية أكثر بشاعة، وانتهاءاً بكل سياسات الكذب التي مارسها ويمارسها هذا الغرب منذ الرحلات الاستشراقية الاستكشافية لمنطقتنا، لخلق الذرائع والادعاءات الكاذبة التي باتت، في العرف الليبرالي، سبيلاً لاحتلال الدول والبطش بشعوبها ونشر الفوضى والعنف والدمار والفقر في كل أرجاء العالم غير الغربي... هذه هي صورة الغرب البارزة اليوم، بعد كل النظريات الفلسفية التي شغلوا بها العالم حول الديمقراطية والليبرالية والعقد الاجتماعي وحقوق الإنسان..


فبجانب الجرائم اللاإنسانية التي يرتكبها اليوم هذا الغرب في العراق، الذي بات دولة بلا سيادة وشعب مشرد وثروات مسلوبة وأرض يعيث فيها الاحتلال وعصاباته فساداً وعنفاً، حتى بات قاب قوسين وأدنى من التقسيم وإنهاء وجوده كدولة وتاريخ وحضارة.. وبجانب ما يحدث في أفغانستان وفلسطين والصومال والسودان وغيرها من مناطق ملتهبة ومتصارعة بفعل الغرب الليبرالي.. بجانب كل هذا نُعَرّفك، عزيز القارئ، هنا على صورتين لأبشع السياسات الليبرالية الغربية اللاإنسانية والمنتهكة للحريات ولحقوق الإنسان في كل أنحاء العالم، تحت ذريعة الديمقراطية، وأي ديمقراطية..
كشفت فضائية الجزيرة (برنامج رحلات غير بريئة، 3/9/2007) عن 20 معتقلاً أمريكياً سرياً، بها معتقلين تم اختطافهم والقبض عليهم من مختلف أنحاء العالم (المانيا، بريطانيا، كندا، إيطاليا.. وغيرها).. وهذه السجون موزعة ما بين جوانتنامو وأوزبكستان وبولندا والمغرب، وأماكن أخرى غير معروفة.. ويتم نقل هؤلاء المختطفين في رحلات سرية لطائرات وكالة المخابرات الأمريكية، (السي آي إيه CIA)، عبر مطارات معينة، دون أن يتم تسجيل هذه الرحلات في الكشوفات الرسمية. يتعرض الأسرى في هذه السجون لأبشع انواع التعذيب الجسدي والنفسي في التحقيق وبتهم غير ثابتة.. وكُشف النقاب عن هذه المعتقلات والطائرات من خلال منظمات وإعلاميين، ولكن أصبح الأمر أكثر وضوحاً بعد أن تم الإفراج عن أثنين من المخطوفين بعد تبرئتهم، وهما خالد المصري، حامل الجنسية الألمانية، ومحمد ماهر، سوري الأصل حامل الجنسية الكندية.. حيث تحدث الأثنان عن طريقة اختطافهما ونقلهما وما تعرضا له في تلك المعتقلات من تعذيب دون أي ذنب ارتكباه.. وبهذا بات كل إنسان، معرضاً للإختطاف والأسر في السجون الأمريكية السرية، وفاقداً للشعور بالأمن الذي يعد أهم مقومات الحرية وحقوق الإنسان..
الصورة الأخرى تأتي من بريطانيا العظمى، أم الديمقراطيات العريقة، حيث نقلت الأخبار (راديو مونتي كارلو، برنامج الحاسوب - 9/9/2007) إن هناك 4.200.000 (أربعة ملايين ومائتي ألف) كاميرا رقمية (كمبيوتر)، منتشرين في أرجاء بريطانيا لمراقبة الشوارع والطرقات والناس في كل مكان وموقع ومحفل.. أي إن 20% من أجهزة الكمبيوتر والمراقبة في العالم تراقب 1% من سكانه (في بريطانيا) ضمن ما يُدعى بـ"الحرب على الإرهاب"..
ويقول المراقبون إن بريطانيا بصدد صناعة الملايين من هذه الأجهزة الصغيرة التي تسمى بـ"العقول الذكية" ضمن هذا المشروع.. وهذه الأجهزة تملك قدرات تفصيلية كثيرة، منها قراءة الشفاه، بحيث يمكن التقاط أية كلمة مرصودة، مثل كلمة "قنبلة"، لترن صفارات الإنذار فوراً ويتم القبض على ناطق الكلمة.. وبإمكانها أيضاً قراءة حركة الإجساد، لترن الصفارات المنذرة في حال تحرّك أي جسم في الشارع حركة معينة ومرصودة في قائمة الحرب على "الإرهاب".. وهذه الكاميرات حساسة وستنتشر في كل انحاء البلاد، مع حلول عام 2008، مما سيلزم الناس بانتقاء كلماتهم والتحكّم في حركة أجسامهم ضمن دوائر وحركات معينة لا تكون في مجال الرصد والراصدين.. علماً بأن هذه الأجهزة ستحل محل مئات الألوف من الشرطة التي ستكون أدوراهم هامشية في هذا المجال..
وهكذا يبقى كل من يعيش على أرض الديمقراطية البريطانية يمارس حريته في حدود الكلمات والحركات المسموح بها، فيجب أن يحمل معه، بجانب خريطة المترو، قاموس الكلمات المرصودة في قائمة الإرهاب ليبحلق بها قبل أن يبدأ الحديث مع أي شخص آخر، وأن لا يحاول الهرولة أو القيام بحركة عفوية يمكن أن تكون في دائرة الرصد، ويُفَضّل أن يتابع قوائم الحركات والكلمات الممنوعة مع النشرة الجوية كل صباح..
هذه هي الديمقراطية التي يتم تدريب الشعوب عليها، منذ بداية هذه الألفية، ليصبح العالم مسيّراً ضمن دائرة الإرادة الغربية.. وأية مقاومة لهذه السياسات مرفوضة، لأنها تعد "إرهاباً"، والمقاومون "إرهابيين" سيكون مصيرهم تلك السجون والمعتقلات المعلنة والسرية..
فإن كانت هذه هي الديمقراطية فما هي مواصفات القمع والديكتاتورية ياترى؟؟!!