أهم الغايات من اغتيال صدام حسين

رغم كل ما أملكه من قناعات وآراء وتحليلات في الشأن العربي ومؤخراً حول دوافع إغتيال صدام حسين والقصد من إختيار ذلك التوقيت بالذات، نشرت أجزاءاً هامة منها، وأراها صادقة وتتحقق إلى حد كبير، إلا إنني لم أنقطع من البحث عن مصادر فكرية وسياسية أخرى تُدعم هذه القناعات والتحليلات... وفي مجال بحثي المتواصل خلال الأيام القليلة السابقة، وجدت ضالتي في أحسن ما كُتِب حتى الآن عن هذا الحدث المفجع في آخر مقال للدكتور بشير موسى نافع، وهو كاتب وباحث عربي متخصص في التاريخ الحديث، يتفق به مع ما سبق أن كتبت ونشرت بهذا الخصوص، أعدّه دعماً أكاديمياً وتوثيقياً لرؤيتي في القضية العربية بشكل عام..
في معرض دعم رأيه، سرد الدكتور بشير واقعة هامة وخطيرة، تصل بدلالاتها للوضع العربي الخطير والمتردي الذي نعيشه منذ بداية هذا القرن، وفي مدخله لهذه الواقعة يقول: "بيد ان قرار الإعدام هو أيضاً، وفي شكل رئيسي، قرار امريكي.. ومن زاوية النظر الامريكية، يحمل القرار حزمة من الغايات، ترتبط الغاية الأولى بمغزى احتلال العراق. ففي حين توزعت قراءات المشروع الامريكي في العراق بين الدائرة الاستراتيجية والنفطية والنزعة التبشيرية الامريكية لنشر قيم الحرية الليبرالية والديمقراطية، فإن واحداً من أهم الدوافع خلف المشروع قلما يشار إليه.."، ويجسد الدكتور بشير أهم تلك الغايات في حدثٍ قال عنها إنه "بعد أسابيع قليلة من أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) استضاف نائب الرئيس الامريكي ديك تشيني المؤرخ اليهودي الامريكي، البريطاني الأصل، برنارد لويس، ليوم كامل في عطلة نهاية الإسبوع.

كان لويس قد طور خطاباً معادياً لتاريخ العرب والمسلمين منذ ما بعد حرب حزيران (يونيو) 1967، بعد أكثر من عقدين من العمل الأكاديمي البارز في بريطانيا... وفي حديثه مع تشيني، أعاد لويس التوكيد على مقولته التي كان قد نشرها في كتاب صغير له من قبل. قال لويس أن العرب، الكتلة المركزية من حاملي الميراث الإسلامي، لم يعترفوا بهزيمة الإسلام النهائية في مواجهته الطويلة مع الغرب (وهذا ما أشير إليه أنا بالحروب الصليبية/ الكاتبة). وفي حين أدت الهزائم التي أوقعها الغرب الليبرالي بأمم مثل اليابان وألمانيا إلى أن تعيد هذه الأمم بناء ذاتها على أساس الانضواء في العالم الجديد، العالم الذي تقوده الكتلة الأطلسية، فإن العرب ما تزال تحركهم أمجاد الماضي، وهذه الإشكالية هي أصل التوتر الذي يثيره المسلمون داخل النظام العالمي". ويسترسل الدكتور نافع في كلامه حول العلاج الذي وضعه برنارد لويس لهذه الإشكالية بأنه يتلخص "في إيقاع هزيمة قصوى بالعرب، هزيمة يستحيل عليهم تجاهلها أو نسيانها لأجيال قادمة" (حسب برنارد لويس).. وبذلك يؤكد الدكتور نافع بأن "غزو العراق واحتلاله كان أحد تجليات هذه الرؤية".. وإن "ما شهده العراق المحتل خلال السنوات القليلة الماضية ليس فقط شيطنة صدام حسين، بل وإدانة العرب كأمة وإدانة الفكرة القومية العربية وميراثها.. وإعدام صدام حسين هو في أحد وجوهه أخذ هذه الإدانة إلى أقصاها".. وهذا ما نؤكده نحن، بأن إغتيال صدام حسين والمجازر البشرية القائمة في العراق تحت شعار إجتثاث البعث هما جزء من الحرب الصليبية ضد العروبة والإسلام، لأن العروبة التي هي هوية وفكر هذا الحزب، والعروبة التي حمل صدام حسين مشروعها النهضوي المناهض للمشروع الاستعماري الغربي، والعروبة التي تمثل الكتلة المركزية للتراث الإسلامي، هذه العروبة هي الهدف الأول من هذا الإغتيال ومن الاحتلال ومن كل الإذلال اليومي المفروض على الشعب العربي في وطنه وحيثما وجد في هذا العالم.
أما الغاية الثانية لعملية إغتيال صدام حسين، فيرى الكاتب بأنها رسالة من نوع آخر إلى دول الجوار العراقي، والعربية منها على وجه الخصوص... "يريد الامريكيون إيصالها إلى دول المنطقة، وإلى حكامها في وجه خاص، الخصم منهم والعدو، إن المصير الذي لاقاه الرئيس العراقي السابق قد يصبح مصيرهم هم أيضاً. وإن الطريق الوحيد لتجنب مثل هذا المصير هو الوفاء المطلق والنهائي للسياسة الامريكية.. وإنه في وقت من الأوقات التقت مصالح عراق صدام حسين بالمصالح الامريكية، ولكن هذه العلاقة التحالفية القصيرة لم تحمه من قرار الإعدام بعد أن اصطدمت طموحاته بحدود المصالح الامريكية".
وبعد توضيح هاتين الغايتين، الأهم، يسهل علينا سرد الغايات الأخرى لإغتيال الرئيس صدام حسين، ولكن أهمها هي ما سوف يعلنها الرئيس بوش في خطابه للإتحاد الأمريكي خلال هذا الشهر حول استراتيجيتة الجديدة في العراق، والتي لن يستطيع أن يقولها بصراحة تامة.. وهي إن ما تقوم به الولايات المتحدة خلال الأيام القصيرة السابقة واللاحقة لعملية إغتيال صدام حسين إضافة لعملية الإغتيال ذاتها، هي محاولات للخروج من حالة الإخفاق التي تعيشها قواتها في المنطقة... محاولة لإرجاع الهيبة الأمريكية التي أصابها الشرخ العميق في كل العالم بعد أن تمكنت المقاومة العراقية أن تهزم قواتها شر هزيمة في العراق.. فهذه القوات التي باتت تترنح قد أجمع حلفائها ومفكريها إنه بات عليها الإنسحاب بأسرع وقت ممكن، وإن انتصارها في العراق بات مستحيلاً.. وجاء تقرير بيكر-هاملتون تتويجاً لذلك الإجماع، بضرورة ترتيب البنتاجون أمورها في العراق لتحقيق الإنسحاب في أقرب وقت ممكن.. وقد أوصى التقرير على ضرورة التعاون الأمريكي مع إيران وسوريا من خلال نظام الحوافز الذي دشنته إدارة بوش المهزومة بتقديم رأس صدام حسين للنظام الإيراني كأولى ثمرات هذه المقايضة التعاونية الدنيئة.. وسوف تزداد وحشية السياسات الأمريكية في العراق وفلسطين والصومال والسودان ومناطق صراعاتها المختلفة في العالم العربي كلما زادت ضغوطات انسحاب قواتها من العراق..
وتؤكد بعض المصادر بأن جورج بوش قد بدأ بتنفيذ استراتيجيته منذ مطلع هذا الشهر، وقبل الإعلان عنها، وهي الاستراتيجية الخاصة بما يسمى بـ"الأرض المحروقة" والتي ستُنفَذ بدئاً من منطقة الكرخ في بغداد (وهي منطقة الضفة الغربية لنهر دجلة في بغداد حيث يتم ترحيل العراقيين السنة إليها من الرصافة وهي الضفة الشرقية للنهر) ومن ثم الزحف صوب المحافظات السنية أو ذات الخليط أو الكثافة السنية التي تشمل محافظة ديالى المجاورة لايران.
وتشمل الاستراتيجية التي بدأ تنفيذها في العراق تحت عنوان خطة أمنية جديدة للمالكي، تشمل خطة "اكتساح المنطقة الغربية وما جاورها من مدن ومحافظات وأحياء وقرى وقصبات سنية أُطِرَت بهجوم سيُطلَق عليه تسمية (الضربة الابتدائية)"، بعد أن أطرت الميليشيات الخطة الاخيرة التي يروجون عنها منذ اغتيال الرئيس صدام حسين بأن فيلق عمر ينوي شن هجوم كاسح لقتل كافة شيعة بغداد... والخطة طويلة وعليكم الحذر منها لأن فيها فخ فتح باب التطوع للعرب بعد التسريب الاستخباري المتعمد بفبركة وصول الأساطيل وحاملات الطائرات العسكرية الاميركية الى الخليج العربي بغية ضرب مفاعلات ايران النووية، والتذرع بأن مكاتب التطوع التي افتتحها (البنتاغون) مؤخراً في كافة العواصم العربية والخليجية مخصصة حصراً لتطويع أكثر عدد من العرب والخليجيين السُنة في صفوف الجيوش الاسلامية أو التي ستنضم للجيش الأميركي للمشاركة في الهجوم العسكري على ايران، وهو كذب بمجمله، فالتعاون الأمريكي الإيراني أصبح معلناً بعد أن تستر لزمن طويل خلف أكاذيب متنوعة..