الخليج العربي.. سيبقى عربياً

ما كل ما يقوله السادة المسؤولين أو حتى زعماء المنطقة ينم عن إرادة أو حتى مشاعر شعوبهم، ويمكن أن نستدل على ذلك بردود أفعال الشعب الخليجي تجاه الاجتماع الأخير لقمة مجلس التعاون الخليجي (الثامن والعشرين) كمثال، ولو كان من خلال ما ظهر منها في الصحافة وفي اللقاءات والحوارات التلفزيونية، التي كانت بشكل عام تناقض ما صدر من قاعات الإجتماعات.. فرغم كل الرفض والغضب اللذين تفاعلا في نفوسنا لحظة دخول الرئيس الإيراني إلى قاعة اجتماع القمة، وأثناء إلقاء خطابه المتعنت، والذي كنا نتمنى أن نسمع عنهما تفسيراً صريحاً يهدئ ما في النفوس من غضب، إذ بنا نُفاجأ بتصريحات إعلامية تستهزئ بكل هذه المشاعر، ولا تقيم لها وزناً.. وأكثر تلك التصريحات صدوداً هو ما جاء بخصوص ترديد الرئيس الإيراني لإسم الخليج (الفارسي) مرتين في خطابه (دونما مناسبة سوى استعراض قوته).. ذلك الرد الذي يشير على أن قائله يعيش في جزر الواقواق، ولا علم له بكل الغضب الذي يتفاعل في شارعنا الخليجي تجاه سياسات الجارة إيران المستمرة في إغتصاب تاريخنا العربي مع عملياتها التوسعية المستمرة في اغتصاب أراضينا..

فهذه التصريحات التي تشير إلى لامبالاة رسمية تجاه مسح هويتنا العربية يُعد استخفافاً بمشاعرنا كشعب عربي بات يعيش على جمر القلق في مواجهة التهديد الأمني القادم من إيران.. وسيبقى الدور الإيراني في مشاهد عمليات التعذيب والقتل الجماعي والتشريد والتهجير على الهوية التي يعيشها الشعب العراقي، منذ أن فُتحت عليه أبواب جحيم الحقد الفارسي لحظة غزو بلاده واحتلاله، سيبقى هذا الدور ومشاهده الواقعية راسخين في الذاكرة العربية على مدار التاريخ القادم.. وسيبقى ذلك أداة لاسترجاع تاريخ المذابح الصفوية والمغولية التي جرت على أرض السواد في التاريخ السابق ..
إن الخليج العربي يتعرض اليوم لغزو مباشر بدءاً بتغيير إسمه وهويته وثقافته وديموغرافيته السكانية وصولاً إلى اغتصاب أرضه وسيادته.. وإن الحالة النفسية، المتمثلة في الخوف والقلق والغضب الجماعي، الناتجة من الأحداث المأساوية التي يعيشها الشعب العربي في العراق لهي حالة قاسية بات على زعماء الخليج أن يعملوا لها ألف حساب.. فالإستخفاف الذي تعامَلَت به القمة الخليجية تجاه هذه الحالة النفسية، لا يليق بالوضع المتأزم الذي تعيشه المنطقة بمجملها.. فلم يعد الشعب الخليجي يعيش في "قمقم" الأنظمة، بل إن انفتاحه على جميع مصادر المعلومات ووسائل التحليل التاريخي والسياسي بات يضاهي ما هو متوفر لدى قادته ومسؤوليه..
أما مَن يدّعي بأن تصريحات المؤتمر الصحفي في ختام القمة الخليجية (28) كانت من باب "اللغة الدبلوماسية" فإننا نقولها صراحة بأنها دبلوماسية بدون ضمانات سياسية، ودبلوماسية خاوية لا تليق بمستوى القمة وقادتها، كما هي دبلوماسية لا تعمل أي حساب للحالة النفسية المسيطرة على الشارع الخليجي في ظل الظروف الإقليمية بالغة القلق والتوتر..
وهنا نذكّر إن خليجنا عربي وسيبقى عربياً، ولم يكن يوماً من الأيام فارسياً.. وإن هذا الخليج حتى نهاية الربع الأول من القرن العشرين، أي حتى تاريخ احتلال إيران لإقليم الأحواز (1925) على الضفة الشمالية الشرقية للخليج، كان عربياً بضفتيه.. وتلا ذلك إحتلال إيران لبلوشستان في الضفة الجنوبية الشرقية للخليج (1936).. وصولاً إلى احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث (1971).. ونحن إذ نرفض هذه الاحتلالات الثلاثة، نؤكد بأن الخليج العربي كان ولايزال عربياً من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه..
ولأننا لا نرى اختلافاً بين احتلال إيران لهذه الأراضي العربية واحتلال إسرائيل لأرض فلسطين، فإنه من مدعاة السخرية أن يدعو النظام الإيراني لتحرير فلسطين..
ولأننا لا نرى تناسقاً بين مقترح الرئيس أحمدي نجاد للتحالف الأمني بين بلاده وخليجنا الذي يعد، منذ أكثر من ربع قرن، هدفاً رئيسياً لمشروع تصدير الثورة الخمينية، فإننا نتساءل إن كان يليق بالرئيس الإيراني أن يستخف بمداركنا وعقولنا بطرح هذا المقترح الهجين، بعد أن باتت مشاريع بلاده التوسعية من الخليج العربي إلى اليمن، وفلسطين ولبنان، بوضوح قصعة الشمس؟!..
وبمناسبة ذكر مشروع تصدير الثورة، الذي نص عليه الدستور الإيراني بأنه يستهدف "النصر لجميع المستضعفين على المستكبرين" والحث على أن "يعمل على مواصلة الجهاد لإنقاذ الشعوب المحرومة والمضطهدة في جميع أنحاء العالم"، ولأننا نستلم يومياً مذكرات وصور موثقة حول معاناة أبناء الشعب العربي الأحوازي جراء السياسات القمعية والتمييزية والطائفية والإعدامات التي تمارسها الحكومة الإيرانية وخصوصاً في عهد الرئيس احمدي نجاد، فإننا نتساءل أيضاً أليس من الأجدر بالنظام الإيراني تعزيز أوضاعه الأمنية الداخلية حسب هذه النصوص المعلبة للتصدير قبل أن يتقدم بمقترحه الأمني هذا؟، أم إن إقتراحه للتحالف الأمني يعد مثل نصوصه الدستورية لمجرد ذر الرماد في العيون؟...
وبعد كل هذا نتساءل، ألم يكن الأجدى بالرئيس الإيراني أن يبدأ بإزالة أسباب الرفض العربي، الرسمي والشعبي، لسياسات بلاده التوسعية والعنصرية ضد العرب، قبل أن يتقدّم بمقترحاته "الأثنى عشرية" التي استعرضها على قمة مجلس التعاون الخليجي؟..


كلمات دالة: