التبشير الإيراني لنشر النفوذ..

آخر التقارير الاخبارية لوكالة فرانس برس، من موروني عاصمة جزر القمر، يذكر بأن ستين من علماء السنة، على رأسهم سعيد محمد جيلاني، قاضي قضاة البلاد، تجمعوا يوم الخميس 8 فبراير 2007 في مدرسة قرآنية، في موروني، ودعوا "إلى حظر ممارسة الشعائر الشيعية في الجزر"، ونسبوا هذه الشعائر إلى الأجانب الذين يساعدون على نشر المذهب الشيعي في بلادهم.. وحسب التقرير إن جزر القمر، التي يشكل المسلمون فيها 98% من السكان، شاهدت لأول مرة، هذه الشعائر في عاشوراء الماضي (29 ديسمبر 2006)، وفي هذا عبّر قاضي القضاة عن رأيه بأن "نشر التشيع هو شيء سيء في مجتمع جزر القمر"، مضيفاً إن "ثلاثين شاباً وصبية يتابعون دورات تأهيل في أفريقيا وبعضهم موجود في إيران ويخضعون لدورات تأهيل مع مِنَح بهدف العودة ونشر المذهب الشيعي"، مندداً بالذين يريدون "تغيير القرآن بما في ذلك إضافة سور قرآنية جديدة".. كما طالب العلماء السنة، في ذلك الاجتماع الذي مُنع رسمياً، "بإقفال المنازل التي يتم فيها تدريس الممارسات الشيعية، وطالبوا الرئيس أحمد عبدالله سامبي بحماية الشعائر السنية".

ويُذكر عن الرئيس سامبي، المعروف بتصرفاته القريبة من رجال الدين الإيرانيين، بإنه قد درس بمدرسة قرآنية في إيران لمدة أربع سنوات.
تأتي هذه الأخبار، ولا غبار على صحتها، ضمن الحرب الإعلامية التي بدأتها الإدارة الأمريكية على إيران مؤخراً، لتثير تساؤلاً هاماً، وهو: لماذا الآن؟!، لماذا يتم نشر كل هذه الحقائق الآن، وتم التعتيم عليها لعقود من الزمن؟!!، وخصوصاً إن كل هذه السياسات والممارسات الإيرانية، المستمرة منذ أكثر من ربع قرن من الزمان، لم تكن بخافية على هذه الإدارة ولا على أجهزة المخابرات الغربية بمجملها منذ إعلان الخميني عنها علناً وصراحة عند اطلاق استراتيجيته الخمسينية لتصدير ثورته إلى المنطقة في العام 1979.. ولنا إجابتنا على هذا التساؤل في مقالنا القادم.
وما يهمنا هنا هو إن هذا الخبر، الذي جاءت به وكالة فرانس برس، يعد نقطة في بحر الانتشار الإيراني في المنطقة العربية من الخليج إلى المحيط، والذي ما كان لأحد أن يعترض عليه لو كان قد التزم بالجانب الديني البحت في نشر المذهب، إلا إن الإيرانيون استغلوا أوراقهم المذهبية كواجهة لإخفاء نواياهم السياسية.. ولم يعد خافياً اليوم أن إيران التي تحكم في العراق من خلال المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وسفارتها وقنصلياتها التي لا نعرف لها عدداً، والمرتبطة بفرق الموت الطائفية هناك، هي من تمارس أيضاً أدوراً، لم تعد خفية، في باقي الدول العربية، من خلال حزب الله وحركة أمل وما تتبعانها من مؤسسات في لبنان، وجماعة الحوثي في اليمن، والتنظيمات السرية المنتشرة في المدارس والجمعيات والقرى بالسودان والمغرب العربي (تونس، الجزائر، المملكة المغربية)، وتنظيم المجلس الأعلى لآل البيت في مصر، وتنظيمات الإسلام السياسي ومختلف المؤسسات الدينية والثقافية والتعاونية والخيرية والحقوقية في البحرين والكويت والمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، والشركات والنفوذ التجاري في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبمختلف الوسائل والواجهات، مثل شراء المزارات وبنائها ورعايتها، في سوريا والأردن، ومن خلال عشرات الفضائيات الموجهة على المنطقة بمجملها..
من خلال كل ذلك تعمل إيران باستراتيجية فاعلة على غرس بذور الفتنة المذهبية والسياسية في كل مجتمعاتنا، حيث بات الانشغال بالجدال حول الفكر المذهبي والاصطفاف الطائفي سبباً في تصدعها وانقسامها على نفسها.. وإذا تمكّن نظام الملالي في إيران من خداع الناس لفترة من الزمن ببعض الشعارات الفارغة، بمساعدة التعتيم الإعلامي والتسهيل المخابراتي في فترة سابقة، فإن الأمر لم يعد كذلك اليوم، وخصوصاً بعد انفلات عقال السياسات الإيرانية في العراق، الذي شكّل خرقاً للاتفاق المباشر وغير المباشر مع الأطراف التي ساعدت وعتّمت على سياسات الترويج للمشروع الإيراني طوال الفترة السابقة.. وفي هذا نشير إلى ما بات مؤكداً اليوم، وهو أن الدور الإيراني في كل المنطقة، وحتى نشاطات منظماتها (الثرية) المنتشرة في الغرب الأوروبي والأمريكي للترويج لمعتقداتها بين الجاليات المسلمة والطلبة العرب (معهد الكوفة في هولندا، ومؤسسة الخوئي في الولايات المتحدة مثالاً)، ما كان لها أن تبدأ وتستمر دون الاتفاق الضمني أو الصريح مع أجهزة المخابرات الغربية (الأوروبية والأمريكية).. وهذه من البديهيات التي يعرفها كل من عمل ويعمل بالسياسة على مدار العقود الثلاثة الأخيرة، حيث لم تكن تسمح هذه الأجهزة لأي تحرّك أو نشاط سياسي أو عقائدي في المنطقة أو بين أبنائها، إلا في الحدود التي تحقق أو تحافظ على مصالحها، وكان القمع، الذي سخّرت له الدوائر والسجون في بلداننا، كان من أهم وسائل هذه الأجهزة للحد من هذه النشاطات.
واليوم بعد أن بات اللعب عالمكشوف، وصار الإختراق والنفوذ الإيراني متجسماً أمامنا كالقنبلة الموقوتة، وفي ظل الانقسامات والتفتيت الذي بدأ ينخر في أوطاننا، نتساءل... ياترى ما هي خطط أنظمتنا العربية، جماعة وفرادا، للتصدي لهذا النفوذ والمشروع الإيراني والحفاظ على وحدة مجتمعاتنا وهوية أوطاننا؟!!.. وذات السؤال نوجهه إلى مؤسساتنا المدنية، الثقافية منها والسياسية؟!، والحالة العراقية لا تزال دامية أمامنا!!


كلمات دالة: