التشهير بالوطن ليس نضالاً بل خيانة عظمى..

لا يمكن لأي مفكر، مهما زاد علمه وتوسّع فكره، أن يفهم تفاصيل الثقافة الصفوية في سيطرتها على الشارع الشيعي كما يفهمها مَنْ ترعرع وعاش حياته في وسط هذا الفكر وثقافته.. لذلك أبدع المفكر الإيراني، الدكتور علي شريعتي، في وصف حيثيات تلك الثقافة وسلوك معتنقي الصفوية في نشر فكرهم وتعميق خطوطه في سلوك المجتمع ليبقى منصاعاً لقادته الروحانيين الذين وصفهم الدكتور شريعتي بـ "الجهاز الدعائي الصفوي المتكون من روحانية كنائسية (رهبنة)" (التشيع العلوي والتشيع الصفوي، دار الأمير للنشر).. أولئك الروحانيين الذين "يبذلون جهداً استثنائياً وحاذقاً في شل حركة التشيّع ومسخ حقيقتها وإحباط تأثيرها في القلوب والعقول" (المصدر السابق)..
أما مصدر صعوبة فهم هذا الفكر فيرجع لأسباب عدة، أهمها إنه فكر يستطيع أن يتلوّن بكل الألوان، حسب المصلحة ومتطلباتها المادية والسياسية، وظروفها المكانية والزمانية.. لذلك يتمتع معتنقو هذا الفكر بثقافة مزدوجة، لها وجهان، وجه مُعلن، وآخر خفي..

وجه لطيف يُبدي أحلى الخصال وأروعها، ووجه عدائي يضمر كل مشاعر الحقد والانتقام.. وألاهم من كل هذا إن الفكر الصفوي يملك من الوسائل الإبداعية ما يكفي لإبقاء وجهه الآخر خفياً بمقدار ما يتطلب الأمر.. وفي هذا يميّز الدكتور شريعتي بين علماء الشيعة و(علماء) الصفوية ويقول "لقد اشتهر علماء الشيعة على مر التاريخ بالانفتاح والتحرر في مجال البحث والمحاججة العلمية وكانوا يحبون الدخول في المناظرات والمناقشات الفكرية والعقائدية وذلك لأن الأجهزة الإعلامية كلّها بيد المذهب المخالف والشيعي ليس لديه وسيلة لإثبات حقانية مذهبه سوى اللجوء إلى المحاججة والجدل العلمي الذي كان الشيعة يتمتعون بمهارة فائقة فيه، وذلك بخلاف رجل الدين الصفوي الذي كان يتهرب من مواجهة السؤال، وإذا أجابك ذات مرة وعاودت عليه طرح سؤال آخر فإن جوابه سيأتي إليك سيلاً من الشتائم والسباب والاتهام بالفسق والتكفير..".. وهذه الثقافة الصفوية التي بدت جلية عموماً خلال العقدين الماضيين، والتي نصفها، متيقنين بع طول خبرة وتجربة، بثقافة الشتائم والسباب وفتاوى التكفير وما يتبعها من فتاوى تحليل قتل المخالفين لهم في الفكر والرأي، فقد شبهها الدكتور شريعتي بممارسات سلاطين الصفوية في القرن السادس عشر عندما "كان على الجميع أن يصبحوا شيعة فإذا تلكؤوا لحظة نالهم حرّ السيف، ولكن أي شيعة؟"، فيسترسل متسائلاً "كيف استطاعت الصفوية أن تنتج تشيعاً يشبه التشيع في كل شيء وليس فيه شيء منه"!".
هذا ما أتذكره دائماً مع كل حوار يشترك فيه أحد مثقفي أو مريدي الفكر الصفوي في مواجهة من هم أعلى منهم مرتبة في المعرفة والأمانة المعرفية.. حيث سرعان ما تنكشف أباطيله وكذب إداعاءاته بالديمقراطية فيقع القناع، أو الوجه المعلن الذي يدّعي الصدق والأمانة ويعد الديمقراطية حقاً ربانياً، فيظهر وجهه الخفي الفاقد لأدنى تعابير الصدق والبعيد عن أدنى درجات الإيمان بالديمقراطية... أما إذا كان هذا الحوار على الهواء مباشرة، أو على أحد وسائل الإعلام، فإن المثقف الصفوي لا يرى في ديمقراطية حرية التعبير عن الرأي سوى آلية عليه أن يستغلها لعرض ما في جعبته من أكاذيب ليقع في المحظور، وعندما يتم مواجهته بأكاذيبه وضعف حججه وسخف إدعاءاته لا يتوانى لحظة في توجيه السباب والشتائم، وقذف خصومه بكل أنواع التهم.. فكم يبدو حينها الدكتور علي شريعتي دقيقاً في وصفه وتوثيقه لهذه الفئة الضالة عن الإسلام والمسلمين، والتي يقول عن كل فرد فيها بأنه "متعصب تعصباً أعمى، بمعنى أنه غير قادر على تحمّل رأي المخالف وليس لديه أدنى استعداد للإصغاء إليه وفهم ما يقول، وليس المراد من (المخالف) هنا بالضرورة من يخالفه في الدين أو المذهب، بل حتى من يخالفه في نمط التفكير وطبيعة المزاج، فأنه لا يتورّع عن تكفيره بدون تردد" (المصدر السابق) !!..
ومن المؤسف إن مجتمعنا البحريني بات مبتلياً بنسبة ليست قليلة من هذه الفئة الضالة والتابعة للفكر الصفوي التي لا ترى في البحرين إلا مركزاً لاستثمار أهدافه الصفوية التي تتعارض تماماً مع مصالحنا، أرضاً وشعباً.. فيظهر الواحد منهم على الفضائيات بزي عالِم مناضل في سبيل الحق، سرعان ما يتحوّل إلى جاهل لا يفقه شيئاً غير الحقد والضغينة، فيكشف تشهيره المستمر بالبحرين عن أهدافه في الإضرار بمصالحها واستهداف سيادتها..
فأي فكر وعقيدة هذه التي تعتبر الكذب والخيانة سلوكاً مقدساً؟!!..


كلمات دالة: