مأزق إيران الداخلي وسياستها الخارجية

منذ أن وصل نظام الملالي إلى إيران، في العام 1979، وحتى اليوم لم تهنأ منطقة الخليج بالاستقرار والأمن، فعَودَتنا الجمهورية الإسلامية أن تكون المنطقة والخليج العربي هدفها ووسيلتها لتفادي مشاكلها الداخلية المتفاقمة مع الشعب الإيراني المنهك تحت وطأة الفقر والقمع.. فمنذ قيام هذه الجمهورية الإسلامية لم يتوقف العنف الطائفي على أراضينا العربية، هذا العنف الذي بات أداة إيران لإخماد ثورة شارعها الرافض لنظامه السياسي القمعي والظلامي.. فكان تدخلها في الشأن العربي إما بالحروب المباشرة، وإما بالتدخل في سيادة بلداننا بواسطة أحزابها الدينية المتطرفة بدعوى تحريرها من سيطرة المستكبرين، وأكبر مثال على ذلك ما قام به حزب الدعوة العراقي في بغداد في العامين 1979-1980 في تفجير حافلات المدارس التي قتل بها آلاف الأطفال الأبرياء في بغداد.. وإما بالتصريحات النارية ضد سيادة دولنا، وآخر مثال على ذلك هو ما جاء في مقال المدعو حسين شريعتمداري، في صحيفة كيهان الإيرانية، وهو ممثل المرشد الأعلى الإيراني في هذه الصحيفة، والذي إدعى فيه بسيادة إيران على البحرين بموجب ما سطرته أقلامهم في تاريخ بلادهم..


لقد فقدت الجمهورية الإسلامية كل مصداقيتها التي حاولت أن تكسب بها الشارع العربي في بداية الثورة، وذلك بعد أن انكشفت للعالم سياسات التضليل والخداع التي مارستها هذه الجمهورية بإسم الدين طوال السنوات الماضية الممتدة من العام 1979 وحتى اليوم. فبقدر قناعتنا بإن تصريحات شريعتمداري هذا تصب في باب إلهاء الشارع الإيراني المقهور والمقموع، في إتجاه يخالف ثورته التي بدأت تظهر لكل العالم بعد تقنين البترول الذي سيزيد معدلات الفقر المرتفعة في إيران إرتفاعاً.. بقدر قناعتنا هذه، فإننا أيضاً واثقون بأن أهداف إيران وطموحاتها باتت واسعة جداً في المنطقة العربية.. تعمل إيران جاهدة بفرض واقع طائفي بغيض في مجتمعاتنا حتى تتمكن من تحقيق أهدافها في إضعاف العرب عموماً، على أمل أن تقع كل بلداننا تحت هيمنتها السياسية والعقائدية المتطرفة.. ودور الجارة إيران الإحتلالي البغيض في العراق أكبر دليل على ذلك، بعد أن قدّمت ولازالت تقدم أكبر تعاون ودعم ومساندة للشيطان والمستكبر الأمريكي في غزو واحتلال عراق الإسلام والعروبة، لتثبت للعالم، على أرض الواقع، الدور الرئيسي للجمهورية الإسلامية في المشروع الأمريكي والغربي الإستعماري، وهذا ما يثبت، من جهة أخرى، صحة الشكوك التي كانت تلف حركة الخميني منذ أن غادر العراق متجهاً إلى منفاه الغربي، حيث فتحت له أجهزة الإستكبار العالمي كل السبل المؤدية إلى الإقامة في القصور الباريسية (مافلي شاتو) قبل إن تطلب هذه الأجهزة من شاه إيران مغادرة بلاده وتسليم السلطة إلى رجال الدين في طهران قبل وصول الخميني إليها.. وهناك في المنفى الباريسي حيث استقبل موفدون من البيت الأبيض في اجتماع حضره إبراهيم يزدي، والسفير الأمريكي (في طهران)، ومهدي بازركان الذي أصبح رئيساً للوزراء، وموسوي أردفيلي، أحد الملالي الذي أصبح بدوره رئيساً لمجلس القضاء الأعلى، "وخرج المجتمعون باتفاق يقضي بأن يتحالف رجال الدين والجيش من أجل إقامة نظام سياسي مستقر في طهران" (راجع حوار ابوالحسن بني صدر مع الجزيرة، برنامج زيارة خاصة، 2005، http://www.aljazeera.net/channel/aspx/print.htm).. وبعد هذا يمكن الحديث دون حرج عن الدور الإيراني في الحرب ضد العراق وما قامت به إيران، بأمر من الخميني، بالاتفاق مع إسرائيل في تزويدهم بالأسلحة التي كانت تصل إيران عبر جسر جوي ربط تل أبيب بطهران على مدار ثمانية أعوام الحرب بدون توقف (فضيحة إيران جيت).
وما حدث في العراق طوال السنوات منذ ما قبل الحرب عام 1980 وحتى يومنا هذا نتيجة السياسات الإيرانية المبتذلة بات معروفاً للقاصي والداني، فلن يستطيع نظام الملالي في إيران تغيير هذا التاريخ على البعد المستقبلي المنظور مهما حاول الإعلام الإيراني المخادع أن يعتم عليه أو يحوره، لأن تاريخ العنف الدموي الطائفي الصفوي بات يعيد نفسه في العراق بحلة نظام الجمهورية الإسلامية، ليبقى التاريخان سبة في جبين جارتنا إيران. وبعد هذا نستطيع أن نتكلم الكثير عن سياسات إيران في لبنان التي بات اعتصام حزب الله في مركزها التجاري في قلب العاصمة بيروت يشكل احتلالاً إضعف هذا البلد المنهك اقتصادياً وسياسياً وأمنياً بعد مغامرة الحزب التي ورطت لبنان في حرب مدمرة مع إسرائيل، ولم يتم حتى الآن إعادة إعمار 10% من ذلك الدمار الذي طال كل البنية التحتية اللبنانية.. والأمثلة كثيرة للتدخل الإيراني في فلسطين واليمن والبحرين وغيرها، بما تستخدمه الجمهورية الإسلامية من الدهاء والخبث الثقافي والأخلاقي الإيراني المعروف على مدار التاريخ...
وهنا نعيد إلى السيد شريعتمداري شيئاً من الذاكرة التاريخية التي يحاول تزييفها، ونقول له إن جغرافية بلاد فارس على مدار التاريخ كانت محدودة في الجزء المحصور في شرق جبال زاغروس، ولم يكن لفارس أي امتداد أو وجود على مدار التاريخ في المساحة الواقعة شرق هذه الجبال إلا بالغزو والإحتلال والكر والفر، مما يثبت إن سياسات هذه البلاد كانت على مدار التاريخ توسعية باتجاه منطقتنا العربية، حتى تمكنت بدهاء ومكر، وليس بالقوة العسكرية والغزو، وبالتحالف مع الغرب منذ القرن السادس عشر وحتى اليوم، من أن تحتل مدناً عراقية في المناطق الحدودية.. وتحتل كل الساحل الشرقي للخليج، الذي كان موطناً أصيلاً للقبائل والعشائر العربية الممتدة اصولها للكلدانيين والحضارة العيلامية، والجزء المتبقي منها في إمارة عربستان الحيوية جيوسياسياً والثرية اقتصادياً.. وأن تحتل مملكة بلوشستان العربية حتى وصلت إلى الجزر العربية الثلاث بوضع اليد.. لذلك نؤكد للسيد شريعتمداري بأن البحرين عربية، وستبقى عربية على مدار التاريخ.. وما يملك من وثائق فهي التي تتحدث عن تاريخ بلاد فارس الإحتلالي والتوسعي الذي يتمسك به نظام الجمهورية الإسلامية اليوم..
إن إيران اليوم تعتاش على النفط العربي في منطقة نفط شاه العراقية المحتلة، ومنطقة عربستان العربية المحتلة،، كل النفط الإيراني اليوم هو نفط عربي لا حق لإيران به، وعليه يذوق الشعب العربي المناضل في المحمرة وجزيرة خضر (عبادان) كل صنوف القمع والتعذيب في السجون الإيرانية، لأنهم شعب لازال يطالب بالحرية والسيادة لبلادهم التي هيمنت عليها إيران منذ العام 1925..
ومن هنا، أرفع صوت أخواني الأحوازيين الذين يعانون من كل أنواع التعتيم الإعلامي والسياسي على قضيتهم، أرفع صوتهم إلى الجامعة العربية مطالبين بتبني قضية عربستان ورفعها للأمم المتحدة، والمطالبة بتحرير إمارة عربستان من الإحتلال الإيراني..
كما علينا أن نذكّر البحرينيين الذين يتكلم السيد شريعتمداري بإسمهم قائلاً بأنهم يطالبون بإنضمام البحرين إلى ملكية إيران.. ولربما يقصد أولئك الذين لم يتركوا فرصة، في الفترة الأخيرة، ليقسموا إنهم لا يملكون أي ولاء لإيران، نذكرهم إنه جاءت الفرصة ليثبتوه فيها صدق أقوالهم وقَسَمَهم، وأن يخرجوا في مسيرات يعلنوا فيها رفضهم لهذه التصريحات، ولهذه الترهات التي خرج بها علينا هذا الكاتب المعتوه.. وخصوصاً إنهم تعودوا على الخروج في مسيرات لأمور أتفه كثيراً من قضية سيادة وأمن الوطن.. فهل ياترى سنسمع أحد تلك الأصوات يعلن موقفاً صادقاً وأميناً وشجاعاً أم .....؟