نعم، العراق يرزح تحت الاحتلال الانجلوأمريكي الصهيوصفوي..

أخي الفاضل، أيها الصوت القادم من بغداد الحبيبة، سألتني عن موقفي الفكري تجاه ما يحصل في العراق، سيما وإن الاحداث تتلاحق بما يتطلب وضوحا فكريا وسياسيا للقوى القومية العربية أزاء ما يجري، وها أنا أسطر لك هنا رأيي عسى أن يجيب على بعض من أسئلتك:
إنهم يستنكرون مصطلح الاحتلال الصهيوصفوي، ولهم في استنكارهم رؤى وآراء وأهداف متنوعة لا اعتراض لنا عليها، إلا إن كلها لا ولم ولن تخفي حقيقة ثابتة وهي إن العراق المدمّر اليوم يرزح تحت احتلال قذر لإيران دور فيه يوازي الدور الأمريكي والبريطاني والصهيوني في كل حيثياته التخطيطية والتنفيذية والتدميرية، وتشترك هذه الأطراف الأربعة، الأصدقاء الألداء أو الأعداء الحلفاء، في مصالحها من هذا الاحتلال.. فالشهادات لازالت حية، ولم تتحول لتاريخ بعد، إنها تصدر يومياً، بل لحظة بلحظة، من داخل العراق وبصوت العراقيين القابعين خلف أسوار التعتيم الإعلامي، الإسمنتية والحديدية، التي فشلت في منع وصول صرخات وأنين وآهات هذا الشعب إلى كل أرجاء المعمورة من شدة الوجع وبشاعة هذه الاحتلالات الأربعة الحاقدة المدمّرة المذلة والفاقدة لكل القيم والأعراف الأخلاقية التي يمارسها العسكر في كل حالات السلم والحرب على مدار التاريخ..

ومهما يستبدلون المصطلحات بكلمات تنديد خفيفة أو شديدة بحق ما يدعونه بسياسات الجارة المسلمة إيران في العراق فإنهم لن يتمكنوا من تبرئتها أو إخفاء وجهها الاحتلالي البغيض وممارساتها الاستيطانية البشعة التي لن يجدي العرب نكرانها.. بل السكوت عنها، وعدم مقاومتها، ستدفع موجة التسونامي الإيرانية الهائجة في العراق لأن تمتد وتحط على الشواطئ العربية من الخليج العربي والبحر المتوسط حتى البحر الأحمر، بعد أن تغطي المنطقة كلها بالدمار والتفتيت بدعم من الثلاثي المساند لظهيرها بمظاهر العداء أو بحميمية الأصدقاء..
فيا مَن تستنكرون مصطلحنا (الصهيوصفوي)، ما عليكم إلا مقارنة ما جرى ويجري منذ أربع سنوات على أرض العراق بما جرى ويجري على أرض فلسطين منذ أكثر من ستة عقود.. هي ذات المذابح العرقية ضد العرب في كلا البلدين... حيث العنصر العربي بكل أديانه ومذاهبه هو الضحية والهدف.. فالعرب هم العُزّل من السلاح الذين يُذبحون بالمئات كل يوم، وهم مَن يقبعون بمئات الألوف في المعتقلات والسجون المزرية والمذلة، وهم مَن يعانون في زنزانات التعذيب وهم من تُقلَع عيونهم وتخرم أجسامهم بالمثقاب الكهربائي، وهم مَن تُقطَع رؤوسهم وتُرمَى جثثهم في الشوارع والانهار، وهم مَن يُختطفون ويُباعون في سوق النخاسة بأعداد من الدولارات، وهم من تُغتصب نسائهم وتُبقر بطونهن، وهم من تُهدَم بيوتهم ومساجدهم وكنائسهم، وهم المشردون المهجّرون ومن يفتقد الأمن والاستقرار والمأوى والمورد.. أليس هذا هو ما يجري في فلسطين بواسطة الجيش والعصابات الصهيوينة، وفي العراق بواسطة فرق الموت وميليشيات الأحزاب التابعة لإيران، وفي كلا البلدين بدعم بريطاني أمريكي؟!.. ألم تعد العروبة في العراق منسوبة اليوم إلى مجموعة محددة لتحل القومية الإيرانية محلها في الدستور الاحتلالي الجديد لهذا البلد العربي؟!.. أليس هذا هو حال الهوية العربية أيضاً في فلسطين؟!.. ألم يُمارس الصهاينة هذه الجرائم في حربهم الاحتلالية الاستيطانية حتى قضت على هوية فلسطين العربية واعترف العالم بإعلان دولة إسرائيل في عام 1948، وبدأت اعترافات العرب بها تتتالى بدءاً من العام 1978؟!.. فهل علينا أن ننتظر انتهاء الوجود العربي في العراق ليعترف العالم بهوية العراق الجديد مع إعلان "الجمهورية الإسلامية الإيرانية في العراق"؟!
بعد هذه المقارنة، ياترى ما هو سبب اعتراضكم على هذا المصطلح؟.. أهو تشبيه الدور الإيراني بالصفوية؟.. نعم، إنه تشبيه تاريخي مقيت، يتنكر له حتى أصحابه، لأنه يرمز لممارسات وسياسات صفوية مشينة ضد العرب يعيدها التاريخ اليوم مرة أخرى على أرض العراق، وهي ذات الأرض والساحة التاريخية التي مارست فيها الدولة الصفوية ممارساتها الاحتلالية على مدار تاريخها..
ففي فلسطين يُنَفّذ مشروع احتلال استيطاني صهيوني تمتد هيمنته من النيل للفرات وضعه تيودور هيرتزل، وفي العراق يُنَفّذ مشروع احتلال استيطاني تمتد هيمنته إلى شبه الجزيرة العربية أسسه اسماعيل الصفوي في الثقافة الشعوبية الإيرانية.. وضمن هذا المشروع والحلم الإيراني، وعلى مدار التاريخ منذ تأسيس هذه الدولة (1501م) فقد احتلت إيران مئات الكيلومترات المربعة من المدن الحدودية العراقية وغيّرت أسماء هذه المدن، ولكنها لاتزال تنطق العربية.. واحتلت إمارة الأحواز العربية واستبدلت إسمها إلى أهواز.. واحتلت الساحل الشرقي للخليج العربي الذي ضمه إسماعيل الصفوي لأرض بلاد فارس بعد أن تحالف مع البرتغاليين في حربهم ضد العرب حتى احتلوا مضيق عُمان وأسموه مضيق هرمز.. واحتل نظام الشاه السابق الجزر العربية الثلاث التي يصر النظام الحالي في إيران على استمرار احتلالها... إنه ليس تأريخاً قديماً، إنه حق عربي ضائع، والقبول به هو الذي يدفع البعض إلى اعتبار ما تفعله اليوم إيران في العراق مجرد سياسات، وليس احتلالاً استيطانياً يُعد من أهم أسس مشروع الشرق الأوسط الكبير القائم على إعادة صياغة المنطقة جغرافياً بتكوين كنتونات ودويلات طائفية هنا وهناك.. فكما كانت الدولة الصهيونية مشروعاً انجلوأمريكياً كذلك هو المشروع الصفوي.
أما تحوير هذه الحرب إلى صراع بين الشيعة والسنة فهو هدف المحتلين الأربعة ليدفعوا به المنطقة نحو الاقتتال الطائفي وإيجاد ذريعة وتبرير لاستمرار حربهم واحتلالهم ومشاريعهم التقسيمية..
ولمن يتذرعون بأن أعداء هذه الأمة هم المحتلون الصهاينة والأمريكان فقط، فإننا نرى إن الأمة بعد أن زاد هزالها ونقصت مناعتها تعددت أمراضها، وزاد أعداؤها والطامعين بها، فلا يمكن أن يُترك المرض الجديد ينمو في جسد الأمة لأننا بصدد حرب ضد أمراضها القديمة.. فالأمراض العضال تتعدد في الجسد الواحد كلما استمر تجاهل حقيقتها بعلمٍ أو بتعمُّد لأغراض ثانوية لطالما كانت هي سبباً في هذه الأمراض.
فالحرب الحقيقية والقضية المركزية اليوم في العراق وفلسطين بين العرب وبين الاستعمار الأنجلوأمريكي ومشاريعه الاحتلالية، الصهيونية والصفوية، وليست حرباً مذهبية بأي معيار أو مفهوم.. إلى أن تُثبت الجارة المسلمة إيران، فعلاً وليس قولاً، انسحابها من هذه الحرب القذرة وحسن نواياها اتجاه العرب.. وحتى تعلم وتقر الجارة العزيزة إن طريق تحرير فلسطين لا يمر عبر احتلال أية عاصمة عربية (بغداد وبيروت)، ولا عبر التبشير وتصدير الثورة الإيرانية إلى عواصمنا ومدننا وقرانا..