الأضاليل الإيرانية ما عادت تجد لها رواجاً..

لم يأت وزير الخارجية الإيراني بجديد في مؤتمره الصحفي يوم السبت 14 يوليو 2007، ولم يقل غير بعض المراوغات في مناسبة دبلوماسية، وقَبَلَها الجانب البحريني الممثل في سعادة وزير خارجيته دبلوماسياً.. فلم يعد خافياً الأسلوب الإيراني في التلاعب بالتصريحات، التي تأتي من مختلف مواقع صنع القرار في الجمهورية الإسلامية.. فجاء الوزير متقي إلى البحرين ليؤكد حسن العلاقات بين البلدين، وإن وفديهما سيجتمعان لاحقاً في مفاوضات حول التنمية، ولم يتعرض إلى ما صرّح به مستشار المرشد الأعلى الإيراني من إهانات للأنظمة الخليجية وإدعاءات النظام الإيراني بسيادتها على الجزر العربية الإماراتية والبحرين.. وهذه المراوغة، بعدم تحديد الرأي الرسمي الإيراني في ذلك المقال الموتور، تترك الباب مفتوحاً على مصراعيه للتأويلات الإيرانية التي ستستخدم عند اللزوم (أحدث مثال على إسلوب المراوغة واستخدام التأويلات هو كذبة المقابر الجماعية التي رفعت الأحزاب والميليشيات الإيرانية رايتها، لدعم كذبة مظلومية "الشيعة" في العراق التي جاءت بالدستور الضامن لتقسيم العراق) .. فما جاء به الوزير من ردود يعتبرها دبلوماسية، إن إنطلت على البعض، كما روّجت لها أبواق إيران على أرضنا، فإنها لم ولن تنطلي على عاقل.. لقد سمعنا الكثير من الكلام الإيراني المخادع والمناقض لأفعالها وممارساتها، ولن نعفي تصريحات مستشار المرشد الأعلى من أهداف وممارسات وأدوار إيران التوسعية، كما يشهد تاريخ علاقاتها مع العرب.. ولم يعد ينفع تجاهل هذه المخططات الإيرانية، كما لم يعد يفيدنا تجاهل سلوك الدهاء والمكر الذي تمارسه إيران في قضايانا، والذي عملت به خلال السنوات الماضية في خداع بعض الشارع العربي وشراء بعض الأطراف في مجتمعاتنا (راجع حلقتي حوار صحيفة الوطن البحرينية مع مرتضى بدر الذي يعترف بأنه أحد قياديي الجمعية الإسلامية لتحرير البحرين التابعة لإيران)، حتى وصلت إلى احتلال العراق الذي لم ولن يكون نهاية أطماعها..
أما الغمز واللمز الذي جاء في تصريحات سعادة الوزير الإيراني حول عدم تقديم الإعتذار لأنه لا يتوقع اعتذاراً من الحكومة البحرينية "عما ينشر في الصحف البحرينية مثلاً عن إيران"، فإننا نجيب سعادته بأن ما تكتبه الصحافة البحرينية هو سرد تاريخي لكل ممارسات إيران تجاه العرب من عنصرية وعدوانية واحتلالات آخرها هو التعاون الإيراني مع الشيطان الأكبر في احتلال العراق الذي ما انفكت تعترف به أقطاب أركانها (الخامنئي ومستشاره الأبطحي وغيرهما) في المنتديات والصحف، فلم تكتب الصحافة البحرينية كلمة عن ممارسات وسياسات إيران دون الاستشهاد بالتاريخ أولاً، وباعترافات القيادات الإيرانية ثانياً، وبواقع الحال المعاش مع الجارة المسلمة ثالثاً، فهل قامت الدول العربية عموماً والبحرين خصوصاً بجزء من تلك السياسات والأدوار في حق إيران كي تقدّم اعتذاراً يا سعادة الوزير..


وإما تصريحات الوزير بأنه "لا يوجد في التاريخ الإيراني المعاصر أن إيران كانت بادئة بأي حرب في المنطقة"، وبأن تاريخهم قائم على الحوار، وبأنهم يسعون إلى تعزيز علاقاتهم مع جيرانهم وإن دولته لا تملك أهداف توسعية وليست بحاجة لذلك، وإنها تعرضت لعدوان من نظام صدام حسين، فإنها بمجملها تصريحات استفزازية كاذبة إستشهاداً بالتاريخ الإيراني المعاصر وما قبله.. فإن رجعنا للتاريخ المعاصر، الذي يريد أن يتبرأ به الوزير من تاريخ إيران القديم الذي يسرد فظائع وجرائم الصفويين في حق العرب، فإننا نرشده إلى وثائق الأمم المتحدة (رغم معرفته بها) التي لم تؤكد حتى الآن من كان البادئ بالحرب الإيرانية العراقية التي امتدت لثمان سنوات، ولكن هذه الوثائق تؤكد أولاً: بأن العراق قد أسقط طائرة إيرانية كانت قد اخترقت مجاله الجوي بتاريخ 4 سبتمبر 1980 (وحسب الإدعاءات الإيرانية إن الحرب بدأت في 21 سبتمبر 1980) وأُسر طيارها الذي كان آخر أسير إيراني أفرجت عنه السلطات العراقية.. وثانياً: أن العراق وافق على وقف إطلاق النار بموجب قرار مجلس الأمن الصادر في 28 سبتمبر 1980، أي بعد إسبوع واحد من "بدء الحرب"، ولكن القيادة الإيرانية بزعامة الخميني رفضت هذا القرار فإستمرت الحرب حتى صدور قرار مجلس الأمن رقم 598 بتاريخ 20 يوليو 1987.. ثالثاً: وافق العراق على القرار 598 في يوم صدوره (20 يوليو 1987) ولم توافق عليه إيران حتى تاريخ 18 يوليو 1988 (بعد مرور عام كامل على صدوره)، وحينها قال الخميني بأن "موافقته على القرار 598 هي أسوأ من شرب السم بالنسبة إليه" (في رسالته بمناسبة ذكرى أحداث مكة بتاريخ 20 يوليو 1988، وكانت الرسالة بمثابة إعلان حرب على المملكة العربية السعودية)، ليؤكد بإن موت المئات من أبناء البلدين الأبرياء يومياً في جبهات القتال لم يكن "أسوأ من شرب السم بالنسبة له"..
ونتوقف عند هذا الحد، كي لا نطيل في هذا الموضوع الذي يمكن أن نكتب عنه موسوعات تؤكد وتثبت العنصرية الإيرانية وممارساتها العدوانية ضد العرب والعروبة، تلك الممارسات التي لم تتوقف إلا في مراحل ضعف الدولة الجارة وقوة السلطة المركزية في العراق، كما لا يمكن تكذيبها لأنها موثقة في بطون الكتب والوثائق التاريخية التي لا يمكن إنكارها أو تزييفها بكل وسائل الخداع والدهاء الإيرانية.. أما تاريخ العرب فإنه لا يذكر إية إساءة للقومية الفارسية كي يقدّموا اعتذاراً، عدا ما يعده التاريخ الفارسي من كبرى الإساءات عندما أطاح القائد العربي سعد بن أبي وقاص بالإمبراطور الساساني في معركة القادسية، وهي معركة جرت في حدود القصر الإمبراطوري ولم تجري بها دماء الفرس الذين دخلوا الإسلام طواعية دون عنف، لما كانت عليه حينها حال مجتمعاتهم من سوء في ظل المعتقدات والإديان الزرادشتية والمانوية والمجوسية.. وعليه نرجو أن يلتزم الإيرانيون بالدقة في الكلام عن التاريخ المعاصر والحديث والقديم، كما نرجو من العرب أن يرجعوا إلى أمهات الكتب ليتسلّحوا بالحقائق، وليتمكنوا من دحض تلك الأكاذيب الإيرانية التي باتت تكلّفنا أوطاننا وأمننا قبل أن يوصم تاريخنا بالعار كذباً وزيفاً.. وأخيراً، وبناءاً على ما تقدّم، نؤكد بأن ما تكتبه الصحافة البحرينية بتجرد تام في تأريخ تلك السياسات الإيرانية لن يخضع للإبتزاز والإرهاب الفكري الذي حاول سعادة منوشهر متقي ممارسته في تصريحاته تلك..
بعد ذلك نقول لسعادة الوزير الإيراني:
1- لماذا لم تعلن الصحافة الرسمية وغير الرسمية في إيران أي إنكار لتصريحات شريعتمداري هذا، بينما هرول سعادته للوصول إلى البحرين وإعلان رأيه الفاتر الذي جاء به؟!، وخصوصاً إن الفعل الإيراني الموازي للمشاريع الاستعمارية بات واضحاً ومؤشراً على خطورة سياساتها على المنطقة بأكملها؛
2- ماذا يعني ما جاء على لسان النائب علي أحمدي (بعد المؤتمر الصحفي)، على الموقع الإيراني رجاء نيوز، المحسوب على رئيس الجمهورية، مكررا ومؤكداًً ما قاله حسين شريعتمداري بأن إيران ستطالب بالبحرين إذا أصر الخليجيون بالمطالبة بالجزر الثلاث؟!،
3- ياترى إلى متى سيستمر هذا الأسلوب الإيراني الرخيص بالتلاعب في التصريحات؟.. وهل يعتقد النظام الإيراني بأن الأضاليل الإيرانية المتسترة وراء إدعاءات الثورة الإسلامية المناصرة للمظلومين!! تارة والمتخفية وراء التأجيج الطائفي تارة أخرى ستحقق نجاحاً في أهدافها التوسعية بالمنطقة؟؛
4- هل هذه الإدعاءات في منطقة الخليج العربي هي مقدمة المرحلة القادمة من المفاوضات بين الجمهورية الإسلامية والشيطان الأكبر، للمقايضة حول النفوذ والهيمنة في منطقة الشرق الأوسط؟؛
5- وأخيراً، نتساءل يا سعادة الوزير، هل تعتقدون إن نصر إيران في العراق سيطول أمده؟!، وهل ستستمرون بالعمل مع المحتل كي يطول أمد الاحتلال لمنع قيام سلطة مركزية قوية في العراق خوفاً على بلادكم من التجزئة، بعد أن باتت الأقليات الكردية والآذارية والعربية والبلوشية تطالب بالاستقلال!، وأملاً في أن يحقق الزمن المزيد من النجاحات في مشروع تصدير الثورة ومشروعكم التبشيري في المجتمعات العربية؟!!.
هذا جزء بسيط جداً مما يمكن أن نرد به على سعادة وزير الخارجية الإيراني، وعلى الأضاليل الإيرانية التي لم تعد تجد لها رواجاً.. أما الرد على أبواق إيران (البحرينية الموجهة كعرائس المولد المربوطة خيوطها بالشرق والغرب) التي ما برحت تدافع عن السياسات العدوانية الإيرانية على أرضنا ولم نسمع منها موقفاً مشرفاً وحيداً في قضايانا العربية عدا ذلك الترديد الببغائي للمواقف النجادية التي أعلنت عن تزعّم إيران لمعركة تحرير فلسطين (التي ستتزامن مع ظهور المهدي المنتظر، عجّل الله فرجه، المتوقع في العام 2007 حسب إدعاء الرئيس الإيراني)، فهؤلاء الأبواق نترفع عن الرد عليهم، وخصوصاً إنهم باتوا أكثر افتضاحاً في تبعيتهم وموالاتهم، وتدنياً في سلوكهم الأخلاقي المهني، من أن نرد عليهم على صفحات صحيفتنا هذه التي تعمل على خلق مدرسة إعلامية بحرينية راقية في كل مستوياتها المهنية والأخلاقية والقومية..


كلمات دالة: