الحلقة الثانية من المخطط ضد لبنان..

لم تكن حرب يوليو/تموز 2006 ضد لبنان سوى حلقة في المسلسل المكتوب لهذا البلد، وها هي الحلقة الثانية تلحقها اليوم بتدمير اقتصادها وضرب استقرارها وأمنها وسحبها إلى دائرة الفوضى والدمار كالتي يعيش فيها العراق، وهي ذات الفوضى "الخلاقة" الموصوفة في استراتيجية الشرق الأوسط الكبير (والجديد).. ولأولئك الذين اعتبروا تلك الحرب وليدة لحظتها، وأنها وقعت خارج توقعات الأطراف التي دخلت فيها، نقول إن حلقات مسلسل الدمار اللبناني ستتتالى الواحدة تلو الأخرى وستتكشّف المؤامرة التي لانزال نصر على وجودها بمقدار ما تصر فئات أخرى في مجتمعاتنا على الاستخفاف بها، ونعتها بنظرية وعقلية المؤامرة..
إن لبنان تنتقل إلى حالة الفوضى والدمار والاقتتال الداخلي، الطائفي، على خطى الحالة العراقية، ولكن عبر وسائل مختلفة، لتجاوز سلبيات النموذج العراقي الحائز على أكبر حجم من الكراهية والاستهجان والمقاومة.. فالنموذج اللبناني بدأ الترويح له بحرب بين حزب الله وإسرائيل على أرض لبنان، دمّرت هذه الحرب لبنان وأبقت على حزب الله قوياً.. وأوحت للشارع العربي بانتصار هذا الحزب على إسرائيل لتكسبه قبولاً جماهيرياً وروحياً يفتح أمامه أبواب التمركز في وسط بيروت وتحدي الدولة، فانتقلت "المقاومة اللبنانية" من موقعها المفترض على الحدود ضد إسرائيل إلى قلب لبنان ضد الحكومة اللبنانية، لتُستكمل عملية ضرب الاقتصاد اللبناني، وتدمير لبنان..

حتى تحولت بيروت إلى آثار مدينة.. ومع بدء موسمها السياحي الجديد بدأ موسم التفجيرات في مناطقها السياحية، واختار الجيش اللبناني ترك كل جروح بلاده تنزف وفتح نزيف جديد في طرابلس باعلان حرب ضد مخيّم فلسطيني.
هاهي لبنان تتجه نحو حرب أهلية جديدة، بعد أقل من عقد ونصف من الزمان على انتهاء حربها السابقة التي استغرقت أكثر من عقد ونصف من عمر الشعب اللبناني.. إنها نسخة مُنَقّحة من النموذج العراقي في الاقتتال الطائفي الذي يُدار بواسطة ذات الأطراف التي تعاونت وتعاضدت حتى وقع العراق في قبضة الاحتلال.. وهاهم اللبنانيون يعيشون حالة الرهاب من هذه الحرب التي عاشوا مرارتها ومآسيها ولم يتعافوا منها حتى الآن.. إلا أن المخطط الجديد المرسوم للبنان أخطر من الذي سبقه، وأكبر من حجم لبنان.. فهو مخطط يمتد على امتداد ما يدعى بالشرق الأوسط.. بدأ بالعراق ولن ينتهى في لبنان..
فياترى كم؟! سيستمر هذا الدمار في المنطقة قبل أن تتبلور صيغة التقسيم الاستعماري الجديد المرسوم لها.. تلك الصيغة التي بدأت بـ "الفوضى الخلاقة" التي أهدانا بها رامسفيلد، والتي سيظهر من تحت رمادها طائر الفينيق المدعو بالشرق الأوسط "الجديد" أو "الكبير"، والمرسوم في خريطة الدوائر الغربية، بمجموعة من الدويلات الطائفية والأثنية الضعيفة التي يسهل إدارتها استعمارياً..
في جميع الأحوال المرسوم هو استمرار هذه الفوضى في منطقتنا حتى تتعب الشعوب من الحروب والاقتتال وانعدام الأمن، وترفع هذه الشعوب راية الاستسلام وقبول الحل الذي لا بد منه حينها، لإحلال الأمن والأمان، وهو حل تقسيم الأرض والمجتمع بين الطوائف والقوميات حتى يعيش الجميع في أقوى حالات الضعف السياسي والمجتمعي.. وهكذا لن يتمكن أي طرف من فك ارتباط مصيره بمصادر القوة الغربية..
نتمنى أن يقرأ النظام الرسمي العربي هذه المستقبليات التي بدت تجلياتها مبكراً.. وأن يعي هذا النظام بأن الحل الوحيد لمواجهة هذا المشروع الاستعماري الذي سيجلب الدمار للمنطقة برمتها هو المقاومة.. والمقاومة.. والمقاومة..