العراق بعد الدمار الشامل..

في ذكرى مرور خمس سنوات على غزو واحتلال العراق استلمتُ، عبر بريدي الإلكتروني، الحزمة الكاملة من صور التعذيب في سجون أبي غريب الأمريكية في العراق، بما فيها الصور التي تمكّن الامريكان من التعتيم عليها ولم تُنشر، لشدة بشاعتها وقذارتها.. واستلمت ايضاً أفلام فيديو توثق عمليات الوحوش البشرية الأمريكية وهي تداهم وتسرق البيوت وتقتل الأطفال وتغتصب النساء وتعتقل الرجال في العراق.. فكانت صور تحكي عن ممارسات أمريكية، لا يتخيلها عقل بني البشر، ولا يتمكن لأي إنسان عاقل أن يتخيّل إن هناك مخلوق، من فصيلة الإنسان، بقادر على الإتيان بالجرئم التي وضعتها أمامنا تلك الصور.. فهي تحكي قصص الوحوش ومصاصي الدماء التي لطالما قرأنا عنها في الأدبيات الغربية.. والغربية فقط.. صور تفضح حقيقة الثقافة الغربية اللاأخلاقية واللاإنسانية.. هذه الثقافة التي ما برحت مؤسساتها تحاول أن تُظهر للعالم إنطباعاً مثالياً عنها من خلال صورة الإنسان الغربي الأبيض المتمدن الذي من أهم واجباته الإنسانية أن يعلّم عالمنا المتخلف السلوك المتحضر.. فإذ بواقعة الإحتلال وجرائمه البشعة تظهر حقيقة تلك الثقافة والنهضة الصناعية التي خلقت غيلاناً ووحوش في شكل بني البشر.. فمَن يدير ذلك الاحتلال في العراق، وينظم شئون الاعتقالات والمعتقلات ويقتل كل كائن حي هناك، ليس من فصيلة الإنسان بل هم وحوش.. فهذه المخلوقات لا تعرف من معاني الإنسانية حتى صفاتها، ولا تملك من مفاهيم المشاعر البشرية حتى أدناها، لذلك كانت ممارساتها في العراق لا تختلف عن سلوك حيوانات الغابة التي تفترس بعضها بعضاً..

وقد نبخس حق هذه الحيوانات المفترسة عند مقارنتها بالسلوك الأمريكي والغربي الوحشي الذي تعجز معاجم لغات العالم كلها عن وصفها..
إن التعذيب، الذي لايزال مستمراً في السجون الأمريكية على أرض العراق، لا يمكن أن يوصف بممارسات إستثنائية أو عفوية أو فردية.. فإن تلك الصور، وحقيقة حال العراقيين، الناجين، من الذين خرجوا من تلك السجون بعد فترات من التعذيب المستمر دون الوصول إلى الموت، تؤكد بأن ما يدور هناك لهو عمل منهجي، ضمن أطر مدروسة ومعتمدة مسبقاً، يراد منها تدمير كل قدرات وكوامن الشعب العراقي.. وهو ما أكد عليه السيد جورج تنت، أحد صقور الاحتلال، في مذكراته التي نشرها عام 2007 بقوله "أنّ هدف الغزو الأمريكي هو أساساً إعادة تشكيل المجتمع العراقي".. فكل ممارسات التعذيب البشعة في تلك السجون وخارجها كانت معدة سلفاً لهدف محدد، وهو القضاء على قيم الكبرياء والكرامة الوطنية التي تستنفر همم العراقيين لمقاومة الاحتلال..
تلك السجون والإعتقالات العشوائية من كل أنحاء العراق، وبأعداد تصل إلى مئات الألوف، من النساء والرجال، والأطفال والشيوخ، وعمليات التعذيب الإجرامية البشعة، كلها تعمل على إختصار الزمن في تدمير العراقيين.. وإحلال الذل والخوف والرعب والحقد والكراهية محل العزة والجرأة والشجاعة والتسامح في ثقافة الإنسان العراقي.. وبهذه الثقافة الجديدة يتمكن الاحتلال من فرض سيطرته الدائمة على البلاد والعباد.. على أمل أن يتمكّن من القضاء على المقاومة..
صرحت المحامية العراقية سحر الياسري، ممثلة اتحاد الأسرى والسجناء السياسيين في العراق، لدى حضورها مؤتمر اللجنة العالمية لمناهضة العزل بالتعاون مع "جامعة بروكسل الحرّة"، حول أوضاع المعتقلات والمعتقلين في العراق في ظل الإحتلال بأنه "حسب تقارير المنظمات الاجنبية والصحافة الامريكية، يبلغ عدد هؤلاء المعتقلين 400 ألف، بينهم 6500 طفل و10 الاف امرأة... وهناك 36 سجناً في العراق ما عدا أبوغريب، وتقع هذه السجون في المحافظات كافة، بما فيها كردستان الشمال، ناهيك عن السجون الواقعة في القواعد العسكرية الامريكية... ولدينا نوع آخر من السجناء يطلق عليهم (السجناء الاشباح) وعددهم 1000 سجين ولا معلومات لدينا عنهم، كما أن أهاليهم لا يعرفون عنهم شيئاً، تقديري أن العراق سيصبح صاحب أكبر عدد ممكن من السجون والمعتقلات في العالم كله، فعلاوة عن سجون الاحتلال، هناك سجون أخرى للحكومة العراقية ووزارة الداخلية ووزارة الدفاع ووزارة الأمن القومي والمخابرات، وكذلك السجون الخاصة بالاحزاب السياسية (الميليشيات)... وإن كل هذه السجون تشهد أبشع الصور لانتهاكات حقوق الإنسان، والسجناء فيها محتجزون من دون أمر قضائي، وهم يقبعون في سجونهم لمدد طويلة من دون تقديمهم الى المحاكم".. (صحيفة الوحدة الأردنية).
وعند سؤالها عما يحدث داخل تلك السجون قالت "أن 95% من هؤلاء السجناء تم اغتصابهم، وإن 5% هددوا بالاغتصاب وخصوصاً النساء المحسوبات على التيارات الإسلامية. وأؤكد أن الاغتصاب سياسة أمريكية منهجية في التعذيب ولم يسلم منه طفل أو إمرأة أو رجل، ولعل الرأي العام مشدود لما يجري في سجن أبو غريب، لكنني اقول أن الصور التي خرجت إلى العلن عن فضائح وانتهاكات أبوغريب فضحت سجناً واحداً، لكنها لم تظهر الحقيقة في السجون الاخرى، وربما كان سجن أبوغريب أرحم من السجون الاخرى"..
هذا هو العراق الجديد.. أقصد سجن العراق الكبير.. أو العراق بعد الدمار الشامل..
حيث يؤهلون شعبه ليصبح ذليلاً، خانعاً، فاقداً القدرة على المقاومة..
وتُمَارَس كل هذه الانتهاكات ضد الإنسانية تحت مسمى الديمقراطية، وليس الإرهاب.. بل كل مقاومة لهذا الذبح المنهجي لشعب بأكمله يعاقب بشرائع الحرب على الإرهاب التي سنتها الولايات المتحدة الأمريكية..
فهل عرفتم الآن لماذا تم الاعلان عن الحرب الأمريكية ضد الإرهاب، ولماذا سُنّت قوانين الإرهاب، قبل احتلال أفغانستان والعراق؟..