بئر الأكاذيب الأمريكية بلا قاع..

ياترى هل صدّقت الأنظمة العربية أكاذيب كونداليزا رايس مرة أخرى؟.. وهل ستبعث هذه الأنظمة بسفرائها إلى العراق بدعوى الحفاظ على عروبته كما تدّعي تلك السيدة التي لم تتفوه بكلمة صادقة منذ أن ظهرت على مسرح السياسة الأمريكية حتى الآن؟..
لطالما اعتمد النظام الاستعماري الغربي على الأنظمة العربية في تنفيذ مخططاته واستراتيجياته بوطننا العربي.. ولطالما استعمل الأكاذيب للوصول إلى غاياته التي لا نهاية لها، إلا بانتهاء الثروات التي تختزنها أرض هذا الوطن.. فما يحدث اليوم لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير، الأمريكي، يتم بممارسات ليست بجديدة، وإنما تمتد أصولها إلى ممارسات دول أوروبا المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، وما رسمته تلك الدول من خطط ووضعته من ذرائع وأكاذيب لتنفيذ مشروع سايكس بيكو التقسيمي (1916)..

فيذكر ذلك التاريخ غير البعيد إن فرنسا وبريطانيا، راسمي ذلك المشروع الأوروبي، كذبا على القادة العرب ولم يبلغاهم بمشروعهما بهدف كسب المنطقة العربية بجانبهما في الحرب ضد الدولة العثمانية.. ووضعا بجانب مشروع سايكس بيكو مشروعين آخرين.. المشروع الأول هو الوعد الذي أعطياه للقادة العرب بضمان استقلال دولتهم بعد الانتصار على العثمانيين.. والثاني هو ذلك الوعد المشئوم الذي أعطياه لليهود بإنشاء دولتهم القومية على أرض فلسطين (وعد بلفور/ 1917)..
وعلى إثر انتهاء تلك الحرب، التي لولا اصطفاف القادة العرب بجانب الحلفاء لما حقق هؤلاء انتصارهم.. وعلى إثر تلك الانتصارات الغربية، تم تنفيذ كل الوعود والمخططات عدا تلك التي أُعطيت للعرب.. فنفذوا سايكس بيكو وقسّموا الأرض العربية ووزعوها على المنتصرين (الحلفاء)، ودخلت المنطقة في نظام استعماري جديد، وحل الغربيون محل العثمانيين في الهيمنة على هذه الاراضي المقسمة والمجزأة.. وأوفت فرنسا وبريطانيا بوعودهما لليهود وأنشأت دولة إسرائيل اللقيطة على أرض فلسطين.. ولم يجنِ العرب إلا المزيد من التخلف والحروب والصراعات المستمرة حتى يومنا هذا..
ويذكر التاريخ بأن العرب لم يكن لهم علم بمشروع سايكس بيكو الذي بقي طي الكتمان، حتى تم إبلاغهم عنه، فيما بعد، بواسطة قادة الثورة البلشفية بعد نجاح قيام الاتحاد السوفييتي.. ورغم ذلك لم يعمل الزعماء العرب على توحيد صفوفهم وتنظيم تحالفاتهم في مواجهة ذلك المشروع الخطير.. وإن كان لذلك سبب محدد فهو لأن أولئك الزعماء حصلوا على وعود جانبية بتنصيبهم ملوك على تلك الأراضي بعد تقسيمها، ليحافظ الملوك الجدد على النظام الجديد، ويدافعوا عن زعاماتهم على تلك الأقطار العربية الضعيفة بعد قيامها.. وهذا بالضبط ما حصل في مستقبل الأيام بعد تقسيم المنطقة..
واليوم، يأتي مشروع الشرق الأوسط الكبير ليُفرغ مضمون النظام العربي من عروبته، وجعله ممثلاً للطوائف والأقليات غير المرتبطة بالوطن أو الهوية العربية، وتنصيب زعماء الطوائف والأثنيات ملوكاً ليدافعوا عن النظام الجديد.. وأحد أهم أوجه التشابه بين المشروعين، الأوروبي والأمريكي، إن نجاحهما اعتمد ويعتمد على تعاون النظام العربي الرسمي.. فكما التزم الأوروبيون قديماً بالكذب لكسب الزعماء العرب بجانب مشروعهم حتى تمكنوا من إنجاحه 100%، ها نحن نرى التاريخ يعيد نفسه، وبات كل العمل السياسي الأمريكي ملتزماً بالكذب والأضاليل لتحقيق أهدافه بواسطة الأنظمة العربية ذاتها.. إلا إن المشروع الأمريكي هذا قد حقق نجاحاً باهراً في شراء ولاء قطاع من المثقفين والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، بإسلوب وبآخر.. والمصيبة إن العرب أصحاب الحكمة القائلة بأن "المؤمن لا يُلدغ من جحرٍ مرتين" ها هم يُلدغون كل يوم ومن ذات الأفعى المتربص بهم في جحره..
فكما ساهم القادة العرب في تثبيت أقدام المستعمر الأوروبي القديم وتقسيم الأمة العربية وبناء دويلاتهم الضعيفة، غير القادرة على الدفاع عن نفسها، ها هم يساهمون اليوم في إنهاء دويلاتهم وزعاماتهم لصالح مشروع المستعمر الأمريكي الجديد الذي يهدف للسيطرة على العالم من خلال الأرض العربية وثرواتها الطائلة.. حيث بات واضحاً أن هذا المشروع الأمريكي، إن نجح، فسيكون النظام العربي الحالي أول ضحاياه، وفي هذا يبدو أن الأنظمة العربية، وكعادتها، غير قادرة على قراءة المستقبل.. لذلك هذه الأنظمة مستمرة بمد يدها لإنجاح هذا المشروع وقيام دول الطوائف والأقليات الأثنية.
لذلك سيكون تقديم اعتماد السفراء العرب إلى الحكومة الطائفية الممثلة للإحتلالين (الأمريكي والإيراني) في العراق بمثابة الإعلان عن قبول العرب لذلك الاحتلال المزدوج وما جاء به من نُظم المحاصصة الطائفية والأثنية التي سيتبعها تقسيم العراق.. وبالتالي على الأنظمة العربية القبول، في مراحل لاحقة، بنظام المحاصصة والقوانين الطائفية والأثنية في مجتمعاتها وبلدانها..
فياترى ألم يتعلم العرب درساً من مسلسل الأكاذيب الغربية؟..