الفرق بين رجل الدين ورجل الدين السياسي ..!؟

الزميل على الصراف هو مستشار التحرير لصحيفة العرب الأسبوعي الصادرة في لندن، بعث إلي بالرسالة التالية سيدتي العزيزة. ارفق لك مقالا جديدا لتطلعي عليه، وساكون مسرورا لو انه وجد طريقا للنشر في إحدى صحفكم، ولا سيما أن لديكم من المعاناة الطائفية فيما يبدو بعض الشيء مما لدينا.. وتفضلي بقبول فائق تقديري و عمیق احترامي، علي الصراف. وها أنه أنشر مقاله في مساحة عمودي هذا لما له من معاني ودلائل قيمة فكتب يقول:
ولا تزر وازرة وزر أخرى، فتعال لنحسب..
قدم الكاردينال عمانوئيل دلّي بطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق نمونجا ساميا جديدا للمعنی الجليل الذي يمثله رجل الدين معنى يكاد لا يمكن العثور عليه في عراق المليشيات والأحزاب الطائفية: معنى يكاد يقول للكثير من رجال الدين، الأخرين ما لا يمكن قوله، بل وما لا يمكن حتى إجراء مقارنا فيه، معنى إنسانيا نبيلا ونقبا وطاهرا الي أخر حدود النيل والنقاه والطهر في أحلك الظروف. لا في أحلاها، تختبر القيم والأخلاقيات. وفي أحلك الظروف يعلو الدين ليبدو دينا ورسالة سماوية مقدسة. وفي أحلك الظروف ينكشف المعدن الحسن النقي ويظهر الأصل النبيل، وفي أحلك الظروف قال الكاردينال دلّي، عقب سلسلة تفجيرات طالت العديد من الكنائس في العراق الأسبوع الماضي من كل قلبي أنا أسامح كل من قام بهذا العمل الشائن... إذا كان هؤلاء يتصورون إن المسيحيين أعداء لهم، فان المسيحيين ليسوا كذلك، وانهم يحبون الجميع، وقال: "لا أعرف من قام بهذا الفعل، لكني أعتقد أنهم نائمون عليه لأنه عمل ضد الله وضد الإنسانية وضد نفسه...

وبالتأكيد فان من فعل هذا لا يحب العراق ولا يحب وأنه كما يجب أن يحبهم وإن شاء الله يرجع عن رأيه هذا، وسوف يعمل من أجل إعمار العراق ومن أجل الاخوة والمحبة مع هكذا فقط. لا تهديد ولا تنديد، لا توتر ولا تصعيد، بل محبة فقط. ترفع وتسام فوق الجرح قط، حتى إذا ما كان ذلك كافيا للتعبير عن الدور الأخلاقي الرجل الدين، فان الكاردينال دلّي لم يكتف بانه رفض توزيع الاتهامات جزافا لكي لا يصيب بريئا باذی، ولكي لا تزر وازة وزر أخرى (!). فانه هون على مرتكبي الجريمة وخلف وطاتها عليهم قائلا: "لم يكن هذا العمل موجها ضد المسيحيين انه وقع ضدّهم فعلا... كانوا يريدون جلب انتباه العالم كله أن لا سلام بعد ولا أمن بعد في العراق. وشدد على أنه يسامح من نقلوا تلك التفجيرات. ويتعرض المسيحيون العراقيون السلسلة اعتداءات منظمة أسفرت عن العديد من الضحايا وعن تخريب عدة كنائس، وتعرض عدد من رجال الدين للخطف والقتل، وأجبرت بعض الكنائس على إنزال الصلبان المرفوعة على مبانيها كما أجبر الكثير من المسيحيين على الفرار من منازلهم بسبب التهديدات التي تعرضوا لها من مليشيات وعصابات نهب واستيلاء مختلفة، وكانت التفجيرات التي وقعت الأحد الماضي طالت ثلاث كنائس في بغداد، ونفذ أحدها ولكنه، رغم الجرح والألم، وجد في قلبه من القران والرحمة ما يشفع به لأوللك والمخطئين، أنفسهم، وأن يضع التسامح والمحبة والتآخي بين أبناء الشعب الواحد فوق الجرح وفوق الأم ولكن هل تعرف لماذا فعل الكاربیتال دلّي ذلك.. لأنه رجل دين.. ولأن قلبه نقي من الخطيئة ولأن إيمانه المخلص والمجرد والعميق بالله يدفعه الى طلب الرحمة الجميع، بل العطف على المخطئين ولأنه وطني أيضا.. فهو ينظر الى أبناء هذا البلد أخوة وشركاء متساوين. وهو لا يريد لوطنهم أن يخضع للاحتلال. وهو وقف ضد الغزو وانتقد فشل حكومته، إنما ليقول إن هذا البلد يجب أن يعود الى اهله ولمواطنيه من جميع المكونات. ليعيشوا فيه أحرارا وامنين. والدين في قلب رجل الدين هذا هو المحبة، وهو القيم السماوية التي يمثلها، وهو الطهر عن الخطيئة، وهو التعايش بين خلق الله بسلام، وهو العطف والرحمة. تعرفه من عميق قلوبنا، أن الكاردينال دّلي، لن يكون مسرورا بجلب المقارنات بينه كرجل دين طاهر وجليل، وبين غيره، ولكننا أمام هذا الجرح الجنين الذي ينزف مئات الأبرياء كل يوم، وأمام الكثير من العذابات التي يتعرض لها الملايين، مضطرون، مضطرون (ونتوسل اليه أن يغفر لنا). فهل ثمة حاجة إلى التفكير بما فعله بعض رجال الدين، ( الأخر عقب حادث التفجير الذي تعرض له مرقد الإمامين في سامراء؟ وهل ثمة حاجة الى القول أن الدماء التي سالت، مدرارة وهادرة، ما تزال تسل من بين أصابعهم بالذات؟! وهل ثمة حاجة الى القول أن دين الغوغاء ليس بدين حقا، عندما يعني عن التمييز بين الحق والباطل، وعندما يأخذ البريه بجريرة المذنب؟ وهل ثمة حاجة الى القول أن هدم المساجد وحرقها والتنكيل بالمصلين لا يمت بصلة لاي بين وهل ثمة حاجة الى القول ان التعذيب والتمثيل بالجلد وقتل الأبرياء على الهوية "حرام" وفقا لمقاييس أي دين عرفته الخليقة منذ خلقها الله... ولا حاجة للمزيد. فتعال لنحسب ماذا كان يمكن أن يفعله الدين، لو انه كان دینا حقا، کم ضحية كان سيوفر، وكم من العذابات والقرارات کان سينجي، وكم من الدم كان سيحقن. لو كان لدى العراقيين ثلاثة رجال دين مثل الكاردينال عمانوئيل دلّي، لكان العراق اصبح جنة من جنات الله على الأرض، ولكن عدا هذا القديس، فمعظم ما لدينا يعصر القلب ويعمق الشرخ ويسهم بالماساة اليوم، يزداد العراقيون شرفا أن لهم، بين مواطنيهم، رجل دين كهذا الطاهر القديس، ويحق لهم أن يفخروا به، وأن يرفعوا انوفهم الى فوق، وأن تدمع عيونهم على الأمل بان يعثروا بين رجال الدين الأخرين من يساويه سموا ويرتقي إليه نبلا ورحمة، وسيكون العراق لائفا بارثه لو صلى المؤمنون (مسلمون ومسيحيون) خلفه أو في جواره. بارك الله لنا فيك أيها الأب الكبير نمونجا للرحمة والمحبة والدين.. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
شكرا لك اخي العزيز علي الصراف.