لن يكون البشير آخرهم . .

مع نهاية الحرب الباردة كانت كل الترتيبات الأوروأمريكية قد انتهت للدخول في عصر جديد من دون أن تفقد، هذه الدول الاستعمارية، سيطرتها ونفوذها في الهيمنة على العالم . . فبدءاً بمنظمة الأمم المتحدة التي تداركت تلك الأمم، مبكراً، بأنها لكي تكون جزءاً من النفوذ الغربي يجب أن يتولى قيادتها أمين عام من العالم الثالث، يسهل إدارته وتوجيه قراراته ليكون منظماً لشئون دول المركز المتسيدة، وانتهاءً بإعادة تنظيم التشريعات الدولية لتتحول إلى آليات للضبط والربط حيثما وحينما تتطلب مصالح قادة العالم . .
فجاءت تشريعات الحرب على الإرهاب، والعهود الدولية لتنظيم وحماية ما يُدعى بحقوق الإنسان، ومجموعة القوانين المالية والاقتصادية والمنظمات الدولية التي سرقت حرية الأفراد والمؤسسات في تداول مصالحها ومنافعها بقوة القانون والتهديد الدولي . . وأخيراً وليس آخراً جاءت "محكمة العدل" الدولية، التي أنشئت للتحكم في سلوك دول العالم الثالث، وأنظمتها، فيما يخص الحفاظ على مصالح دول الأسياد قادة العالم . . ولا ننسى حزمة نظريات وقوانين الحروب الاستبقاية والوقائية، وأعدادا من السجون النائية والطائرة، وحرب الإعلام، التي أصبحت كلها مجتمعة جزءاً من النظام الدولي الجديد . . نظام القطب الغربي الأمريكي الذي بات يعتبر نفسه بحق سيد العالم منذ سقوط المنظومة الاشتراكية في تسعينيات القرن الماضي . .


كل هذه الحزمة من الترتيبات التي تمت مبكراً، قبل أن يصحو العالم من مفاجأة سقوط الاتحاد السوفييتي، كل هذه الترتيبات كانت قد استحدثت في دول المركز (القادة)، بمباركة وموافقة (عدم رفض) دول الأطراف، أو في غفلة منها . . فما انتهى خطر الشبح الشيوعي حتى بدأ خطر الإرهاب و"حقوق الإنسان" يلف على رقاب الأنظمة العربية وشعوبها، وكأن كل موبقات الظلم والإنسانية مجتمعة في هذه الأمة . . وفي ليلة وضحاها تحول العرب الى أمة إرهابية، يجب عزلها، وتأديبها، فرادا وجماعات، لتتوب عن القتل وامتصاص دماء الشعوب المتحضرة . .
ولتنفيذ كل تلك المنظومة الجهنمية من الفكر الغربي، كان لابد من خلق المبررات، فجاءت الأكاذيب مدعومة بقوة الإعلام المجيدة، لتحول الحقائق إلى ترهات، والأفق إلى نبل . . وبدأ سادة الغرب الذين باتوا يستحقون جائزة دولية في الكذب، بدأوا بممارسة كل هذه الدعارة الغربية في العراق . .
وبواسطة كل تلك الترتيبات، تمكن السيد الأوروأمريكي من تدمير هذه البلاد العربية، تدميراً كاملا، والمحاولات جارية لمسح تاريخها وحضارتها، وصب الغربي المتحضر كل حقده في محاكمة رئيس العراق حتى انتهت بقتله، في ممارسة لا يمكن أن يقبلها أي عقل متحضر، أو ضمير حي، ليصنعوا نموذجاً ودرساً لباقي القادة العرب . . ومما يؤسف له أن قادتنا استمرأت، أو تخاذلت، بل وساعدت في الوصول إلى الحالة العراقية، النموذج الماثل أمامهم . .
وبعد مرور المنطقة بأحداث أشبه بالخيال، خلال ست سنوات، جاءت اللحظة الأولى للتذكير بالنموذج العراقي، عندما وقف ذلك المدعي العام، الفاسد، أمام الصحافة العالمية في لاهاي، متهماً الرئيس البشير، الثاني في مسلسل التأديب، بمخالفة التعاليم المقدسة لحقوق الإنسان في دارفور، ويجب معاقبته، ولكن بعد محاكمته علناً ليكون عظة ونموذجا "للأخرين" . .
فنرجو أن يتم تسجيل هذه الأيام في الذاكرة لأن القادم من الأيام يتطلب منا التحسب والتذكير بالأحداث التي ستتعاقب علينا، إن لم يبدأ العرب بالدفاع عن أنفسهم، أفراداً وجماعات، شعوبا وأنظمة . . ووسائل الدفاع كثيرة، ولكنها بحاجة الى قرارات وإرادة سياسية قوية وواعية . . ففي زمن لا يعترف بغير القوة وسيلة للعيش بسلام لن يكون البشير أخر رئيس عربي يقف هذا الموقف . .


كلمات دالة: