الإرهاب والمعارضة...

شنت، ولاتزال، بعض الأحزاب الدينية حملة إعلامية شرسة ضد كل ما تم إعلانه عن الخلية الإرهابية، التي كانت تستهدف أمن الشعب البحريني، وقد سخرت هذه الأحزاب، لأجل ذلك، كل وسائلها الإعلامية، عبر النت ومنشوراتها الداخلية، وعبر الصحيفة اليومية الموالية لها، وعبر التابعين لها في باقي الصحف اليومية، وعبر منابرها الدينية، وعبر المجلس النيابي.. وبعد أن وصلت أقلامها وبياناتها ومنابرها إلى مرتبة السفاهة والترقيع والشتم والقذف بمسرحيات ومقالات عصبية ومتطرفة لا يتناولها عقلاء، لا يمكن إلا التأكيد على أن هذا الإعلام ما هو إلا وسيلة تدافع بها تلك الأحزاب عن نفسها ضد تهمة الإرهاب، رغم عدم ورود أسماءها مباشرة في اعترافات المتهمين، أو ربما لقطع الطريق على أية اتهامات قد توجه لها لاحقاً عند إعلان تفاصيل المحاكمات..
والأهم من ذلك، يمكن أن نعلق أسباب قوة تلك الحملة الإعلامية في الدفاع عن الخلية الإرهابية، على إنها إشارة إلى مدى الضرر البليغ الذي لحق بمسيرة عمل هذه الأحزاب بعد إنكشاف العمل الإرهابي.. وخصوصاً إنها أحزاب لطالما اعتمدت على الكذب والمخاتلة والمخادعة ما بين العمل على تصعيد العنف والإرهاب الفكري والجسدي من جهة، والاختباء خلف الشعارات السلمية وإبداء التوافق على المبادرة الإصلاحية لجلالة الملك وإدعاء الإضطهاد والمظلومية من جهة أخرى..
وكما في كل حالات الكذب والخداع، فإن اعتماد تلك الأحزاب لهذا الإسلوب في العمل ما هو إلا لتغطية أدوار غير مشروعة..

خصوصاً بعد اكتسابها شرعية العمل السياسي "كأحزاب معارضة" بموجب إتفاقها مع باقي الأطراف السياسية، الرسمية والشعبية، على الإنخراط في العملية الإصلاحية التي فتحت كل الآفاق البحرينية نحو التحول الديمقراطي، وحرية المعتقد والتعبير عن الرأي، وحق المساءلة والمحاسبة من خلال السلطة التشريعية التي لها كامل الحقوق والصلاحيات المتبعة ديمقراطياً، بجانب سلطة قضائية مستقلة، وسلطة تنفيذية تخطط وتنفذ وتتابع الخطط التنموية..
فبعد ما يزيد على ست سنوات من عمر العملية الإصلاحية، التي سمحت لكل الأحزاب بالعمل فوق الأرض، لا تزال هذه الأحزاب الدينية، المتمثلة بجمعيات سياسية وعشرات المؤسسات التابعة لها، تمارس الخداع مستعينة بأحدث المناهج والنظريات الإعلامية والخطابية في الكذب والتحريض والمهادنة، مما وفر لها مساحة واسعة للمخاتلة خلف العنف والإرهاب والشعارات السلمية والعقيدية، دون ترك أية مستمسكات مادية تدينها..
ويرجع التمسك بهذا الإسلوب الباطني في عمل هذه الأحزاب لأسباب عديدة، أهمها، أولاً: لأن العنف لا يدخل ضمن أطر عمل "المعارضة" السياسية، بل يعد عملاً عدائياً في الحالة البحرينية التي يتفق جميع أطرافها بأنهم منخرطون في الدور الإصلاحي، ولا يوجد بينهم طرف استعماري أو احتلالي.. وثانياً: لأن هناك اتفاق خفي تشترك فيه أطراف إقليمية وغربية بإلصاق تهمة الإرهاب بالجماعة الإسلامية الأخرى التي لا تمثلها هذه الأحزاب، لحساب المشاريع الإستعمارية الطائفية التي تُنَفّذ في منطقتنا.. ثالثاً: لأنه الإسلوب الأمثل للتحريض ضد الدولة والوطن وكسب الجماهير البسيطة وغير القادرة على قراءة ما بين السطور وكشف حقيقة الجبة الدينية الملطخة بالسياسة.. ورابعاً: لأن الحقيقة لا تخدم الاغراض السياسية!!؟؟ التي تهدف لها هذه الأحزاب، التي تدّعي الوطنية..
لذلك تدار كل عمليات العنف والإرهاب، والمرتبطة باستراتيجيات تقسيم مجتمعاتنا ودولنا طائفياً، بأساليب وآليات جديدة لم تكن معروفة سابقاً، على رأسها آلية الكذب والاسترسال في الكذب والاعتماد على الكذب حتى نهاية المطاف.. ونظرية الكذب هذه اكتسبت "شرعيتها السياسية" من الإدارة الأمريكية، واكتسبت "شرعيتها المذهبية" من الأحزاب الدينية، حتى بات الكذب والخداع والمراوغة والمخاتلة الوسائل السياسية الوحيدة المعمول بها على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي لضرب مصالح شعوبنا وأوطاننا.. ولن نُفاجأ إن أُقر الكذب وآلياته كأهم الموضوعات والنظريات في مناهج العلوم السياسية في زمن تدني القيم الوطنية الذي نعيشه فرضاً وإلزاماً..
وإن كانت الحملة الإعلامية الشرسة المعترضة على دور الدولة في القبض والكشف عن الخلية الإرهابية، قد تمكنت من إقناع قطاع من الشارع البحريني ببعض الأكاذيب، إلا أن تلك الحملة أيضاً قد كشفت الأقنعة عن وجوه المحرضين على العنف، والصحفيين المحرضين والأقلام التي فلت عقالها، من روع الصدمة، ولم تجد ما تتناوله سوى الإسفاف والتطرف في كتاباتها لتبرير الإرهاب بذريعة المظلومية، حتى نزلت إلى القاع بالسب والشتم لكل من يختلف معها في الرأي..
ولكن، رغم قوة هذا الإعلام الحزبي الديني الذي لايزال مستمراً في إلغاء هيبة الدولة، وزعزعة ثقة الشعب في أداء جهازه الأمني، ورغم الجهد الذي يبذله هذا الإعلام الحزبي في التشكيك بإمكانيات الدولة في الحفاظ على أمن وسلامة المواطن والوطن، مستغلين الظرف الذي تعيشه البحرين في مرحلة التحول الديمقراطي ومتطلباتها التي تلزم الدولة على التمسك بالأطر القانونية والدستورية، ورغم غياب دور إعلام الدولة، الذي يتوجب عليه إظهار الحقائق وبث الطمأنينة في المجتمع، رغم كل ذلك يمكننا التأكيد على إن الإعلان عن الخلية الإرهابية عمل على إيصال الرسالة الأمنية المطلوبة، وبث الثقة والطمأنينة في النفوس التي تشاءمت كثيراً في المرحلة السابقة من الأداء المتطرف لتلك الأحزاب في مدننا وقُرانا..
وأخيراً ليعذرني القارئ من تكرار ذكر مسمى الأحزاب عوضاً عن الجمعيات، وذلك، أولاً: لأن السلوك الجماعي لهذه الجمعيات يشير إلى أداء وفكر مؤدلج.. ثانياً: لأنه لا يسع المراقب إلا إرجاع هذا الاداء والفكر المؤدلج إلى منشأهما الحزبي، بموجب ما جاء في سرد مذكرات الأحزاب الإسلامية في الصحف البحرينية (حزب الدعوة، حزب الله، منظمة العمل الإسلامي، الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين، حركة أحرار البحرين.. ولكل حزب من هذه الأحزاب جمعيتها السياسية في الشارع البحريني حالياً).. وثالثاً: لأن هذه الأحزاب لازالت تعمل رغم الإنكار وتغيير المسميات.. لذلك يبدو وكأن التاريخ يعيد نفسه من خلال ذات الأحداث التي مارستها تلك الأحزاب في العراق في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي (الإرهاب والتفجير وقتل ضحايا أبرياء من أطفال المدارس وطلاب الجامعات وزعزة الأمن وإلغاء هيبة الدولة)..
وليحفظ الله بحريننا..