كيف.. ولماذا.. أكذوبة المنظمات الحقوقية؟؟ (2)

كانت تسعينيات القرن العشرين مرحلة خلق وتنظيم أدوات وآليات غربية جديدة تعطي الشرعية لإستمرار عمليات السيطرة والهيمنة على المنطقة العربية في عصر ما بعد الحرب الباردة، ولم يطل الوقت حتى اتضحت الأمور.. فبعد أن تم افتعال مجموعة من الصراعات والمشاكل الطائفية والأثنية المتفرقة، في منطقة الخليج والمشرق العربيين، تم استخدامها لنسج جملة من الذرائع حول الإرهاب والديمقراطية، وفي وقت قياسي، جاءت العلاجات الجاهزة لحل تلك الصراعات والخلافات، في منظومة تشريعية دولية خاصة بالحرب على الإرهاب وعشرات الآلاف من منظمات حقوق الإنسان لنشر وتثقيف الشعب العربي (المتخلّف) بـ"مبادئ الديمقراطية والتسامح"..
إلا إن تواصل وتوالد هذه المنظمات باتت على درجة فائقة من الدقة والسرعة، حتى لم يعد الفرد العادي قادراً على معرفة أصول اللعبة وحقيقتها.. ولكي لا نطيل أضع أمام القارئ صورة لنموذج واحد من هذه المنظمات، وكيف ولماذا وأين يتم إنشاؤها..


نشرت إحدى الصحف المحلية، خلال شهر يناير 2008، خبراً تحت عنوان رئيسي يذكر إن "فلاناً" (وهو شاب بحريني حديث التخرج فرحٌ بشهرته وتزعمه في العمل الطلابي)، إختاره "المركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي"، ومقره اوسلو عاصمة النرويج، ليكون مسئولاً عن أعمال مركزهم في الشرق الأوسط، وسيبدأ (...) عمله بداية فبراير 2009، وإن مدير المركز "إيهان جاف" أبلغ السلطات البحرينية، ووزارة الخارجية النرويجية، والسفارة النرويجية في دولة الإمارات العربية المتحدة بهذا الاختيار. وحسب الصحيفة فإن الجمعية البحرينية التي يرجع لها الشاب المذكور قد وقّعت في نهاية نوفمبر 2008 وثيقة تفاهم مع المركز بتمثيله (المركز) أقليمياً في منطقة دول مجلس التعاون واليمن لرصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان.. وقد صرّح الطرف البحريني ان توقيع وثيقة تفاهم مع المنظمات الدولية يعد الجزء الأهم من تحركات جمعيته دولياً لدعم ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة، وأن لدىجمعيته خطة طويلة المدى لتوقيع وثائق تفاهم مع منظمات دولية أخرى..
فياترى ما هي حقيقة هذا "المركز العربي الاوروبي لحقوق الانسان والقانون الدولي"، ومن هو مديره المدعو "إيهان جاف" :
1- ايهان جاف، كردي عراقي مقيم في النرويج، عمل في "هيئة حقوق الانسان والمجتمع المدني" في العراق، التي تأسست بعد الاحتلال للترويج لروايات المتضررين من سياسات نظام الرئيس صدام حسين، والتي شكّلت لها فروع في معظم محافظات العراق وتفتخر بانها انجزت أكثر من خمسة عشر ألف معاملة للمتضررين من النظام السابق من دون مقابل وعلى نفقة الهيئة (وهو مقيم في النرويج). وتعد الهيئة واحدة من عشرات الالاف من ما يسمى بمنظمات المجتمع المدني التي تشكلت في العراق بعد الاحتلال كجزء من مشروعه.
2- في بداية 2006 طوّر هذا الرجل عمله وأسس في مملکة النرويج "مركز ايهان جاف لحقوق الانسان" للتخصص في شئون الشرق الأوسط والعالم العربي (وهو مقيم في النرويج).
3- في أواخر نوفمبر 2008 (نفس تاريخ توقّيع الاتفاقية مع الجمعية البحرينية) تم تغيير إسم مركز إيهان جاف إلى "المركز العربي الأوربي لحقوق الانسان والقانون الدولي"Arab-European Center for International Law and Human Rights (لاحظوا الإسم، له وزنه وهيبته، لزوم العمل).
4- رؤية المركز كما وردت على موقعهم (www.chaknews.com) ينص على التالي: ".. يرى المركز إن المنطقة العربية ساخنة على الخارطة الدولية، تتنوع فيها الثقافات والحضارات والأديان واللغات والأصول، وهي من أغنى مناطق العالم بالتنوعات الاجتماعية والفكرية مما يخلق غموضا في فهم تركيبتها، وبالتالي سوء تحديد ماهية حقوق الإنسان فيها، كما إن مفهوم حقوق الإنسان شبه غامض وغير محدد لدى فئة غير قليلة من سكان هذه المنطقة، حيث تتفشى ظاهرة تهميش أو السعي إلى تهميش الحقوق الدينية لبعض الأفراد والشرائح والمجتمعات في دول العالم العربي، مما يعتبر منافياً ومناقضاً لمبادئ حقوق الإنسان.. إن منطقة العالم العربي تكثر فيها المصطلحات المطلقة كالأفضل أو الأعلم والأكثر، مما يخلق نوعاً من عدم المساواة، وهي بحاجة إلى مراکز حقوقية تعي بالتركيبة الاجتماعية والفكرية وتعي أسباب التنوع والاختلاف الحاصل. لذلك يعمل المركز على توعية أفراد ومجتمعات دول منطقة الشرق الأوسط بماهية حقوق الإنسان وأنواعها وكيفية الدفاع والمطالبة بها، حيث توجد فئات غير قليلة من المجتمعات تجهل كيفية المطالبة أو الدفاع عن حقوقها بالطرق والوسائل السلمية والقانونية، إضافة إلى نشر الثقافة والوعي ووووو..."، ولمعرفة المزيد يمكن الرجوع إلى موقعه الإلكتروني.
أهم ما يمكن استخلاصه من المعلومات أعلاه هو التالي: 1- الإسم الحقيقي للمدعو إيهان جاف غير معروف، لأسباب هروبه من العراق في وقت مبكر.. ولكن المعروف إنه كردي، ولديه موقف سلبي من القومية العربية، بدليل الرؤية السلبية وغير الواقعية التي رسمها عن المنطقة.. 2- يصعب التحقق من وجود حقيقي وفاعل لهذا المركز على الارض، وذلك ما يشير إليه الإعلان بإغلاقه مدة 40 يوماً بمناسبة وفاة شقيقة ايهان جاف في السليمانية بالعراق.. 3- رسم هذا المركز، من هناك في النرويج، صورة سوداوية عن واقع المنطقة والشعب العربي، وقسّم هذا الشعب إلى فئات وأديان متعددة ومتصارعة ومهضومة الحقوق، وتبنّى مسئولية تنويره بحقوقه التي "يجهلها"، ومسؤولية تحريره من "الجهل والأمية الحقوقية والتخلف الفكري".. 4- كل من يطلّع على كمية الكذب والإختلاق في الرؤية الرسمية للمركز عن المنطقة، لا يمكن إلا أن يؤكد بأنه ليس أداءً عشوائياً وبدافع الحرص الإنساني، وإن الأكاذيب الغليظة، التي وصم بها المجتمعات العربية، تخدم مباشرة مصالح وأجندات خارجية لها أطماع في المنطقة.. 5- ياترى ما هي مصادر التمويل التي يعتمد عليها هذا المركز في أداء نشاطاته المكلفة في الملاحقة والرصد والتابعة والاتصال والتواصل..؟؟.. 6- لماذا لا تتواصل هذه المنظمات إلا مع شخصيات حاقدة على أوطانها وتتميّز بنزعات وصولية ونرجسية و و و..؟.
وأتوقف هنا لأترك للقارئ فرصة التمعن في مدى خطورة هذا المركز وأمثاله من المنظمات الحقوقية، التي انتشرت في مجتمعاتنا كالجراد تأكل الأخضر واليابس، وتمارس أدواراً جديدة للهيمنة السياسية والفكرية وزعزعة ثقة الأمة بتاريخها ومستقبلها.. وتكفينا الحالة البحرينية مثالاً لمعرفة خطر هذه المنظمات المرتبطة ب
وفي الجانب الآخر، وبقدر التأكد من خطورة أداء وأهداف هذه المنظمات المشبوهة، التي لا تحمل أية نوايا نبيلة في قضايا الدفاع عن حقوق الإنسان والدفاع عن مصالح الشعوب والأقليات والأديان، فإننا متأكدين أكثر بأن هذه المنظمات ما كان لها أن تنتشر وتنمو لولا الترويج لها في الصحف الطائفية التي تلتقي معها في الأهداف والمصالح والارتباطات الخارجية.. فهذه الصحف هي جزء من عملية بناء ومأسسة منظمات حقوق الإنسان المشبوهة، وهي وسيلتها في الانتشار والدعاية والتواصل.
فإحذروا الصحف الطائفية وصحفييها المنتشرين اليوم في إعلامنا البحريني والعربي.. فالخطر يكمن فيهم أولاً..