أيهما سينتصر أخيراً!! سياسة العفو الملكي أم خطاب المعارضة التدميري..؟

لربما هي المرة الأولى التي ترتفع فيها الأصوات البحرينية، ضد الارادة الملكية بالعفو، الذي شمل هذه المرة، المتهمين والمعتقلين في جرائم الارهاب والتدمير والقتل السياسي التي شغلت مملكتنا الحبيبة مؤخراً، وحاولت خلالها جماعات العنف استقطاب اهتمام الاطراف الخارجية لتحقيق أهداف غير مشروعة.. وخصوصاً إن هذا العفو قد تكرر لمرات عديدة، دون أن يُثبت الُمعفَى عنهم تفهماً لهذا الكرم، أو وعياً وطنياً يُنهي هذا التأزيم المفتعل والمستمر في هدر طاقات شابة وتعطيل مصالح الوطن.
ومع تفهّمنا وتقديرنا، بل وإجلالنا، لإرادة عاهل البلاد الجادة والمخلصة في لم شمل الوطن وكل أفراد شعبه بعطفه وأبوته ورعايته، وإثبات صدق وحسن نواياه بتكرار العفو عن المتهمين في قضايا أمنية، وأمله في أن يتفهم أبنائه معنى هذا "العفو عند المقدرة" لتجنب سلوك العنف والتدمير الذي وصل إلى حد القتل وزهق أرواح بريئة بأيادي أطفال تم اختطاف براءتهم ليتحولوا إلى قَتَلَة، رغم تفهمنا لكل هذا السمو في نوايا جلالة الملك، ومحاولتنا الوقوف إيجاباً مع إرادته السامية.

إلا أن الطرف الآخر المستمر في غيه وأدائه التحريضي بات يشكل تهديداً لأمن وسلامة الوطن والمجتمع والافراد، مما يُفرغ قرار العفو من مضمونه، متعمداً اللجوء إلى الفوضى وتحريف الممارسات الديمقراطية التي يجب أن يتعلمها المجتمع من خلال العمل الخلّاق عبر آليات المراقبة والمساءلة والإصلاح وليس العنف.. البناء وليس الهدم والتدمير..
فإذا تجاوزنا كل الإسفاف الذي تم نشره منذ اللحظة الأولى بعد إعلان العفو حول الإدعاء بأن العنف هو ما حقق العفو (غصباً عنهم)، وكل ذلك التظاهر الأخرق بالقوة والتحدي عوضاً عن التعبير عن العرفان والتسامح، إذا تجاوزنا كل ذلك، فياترى كيف سنتعامل مع إفتعال أول أزمة سياسية بدأت تتفاعل مجدداً، قبل أن يجف حبر مرسوم العفو... الأزمة التي بدأت بالدعوة لندوة جماهيرية صارخة، للمطالبة بدستور جديد، يشترك فيها أقطاب العنف والارهاب، المُعفَى عنهم، ممن قاطعوا الانتخابات، مع جماعات سياسية شاركت في الانتخابات ولكنها فشلت في الوصول إلى قبة البرلمان، فرجعت إلى ركوب موجة الدستور مرة أخرى..
وهذا يدعونا للتساؤل مرة أخرى..
إن كانت أهداف هذه الجماعات مشروعة، فلماذا لا يمارس المطالبون حقهم بالآليات والقنوات الديمقراطية المشروعة؟.. وخصوصاً بعد تكرار العفو الملكي الذي يثبت حسن نوايا القيادة السياسية وتفاعلها الايجابي مع الجماعات السياسية، رغم الاخطاء والجرائم التي ارتكبتها هذه الجماعات بحق الوطن.. هذا التفاعل الذي لا يحصل عليه شعب من الشعوب المحيطة بنا شرقاً وغرباً..
والسؤال الثاني، ياترى هل تعتقد هذه الجماعات الفاقدة للموضوعية في السلوك والطرح السياسي، والفاقدة للأدوار الوطنية البناءة والمكانة التاريخية بين من عملوا ونجحوا في بناء هذا الوطن وسطروا أسمائهم في قوائم العطاء والبناء، هل ياترى يتوقع هؤلاء (وقد انتقل بعضهم، بالأمس القريب، من مواخير الفساد والبارات إلى منابر المساجد وتزعم العنف) أن يحققوا قبولاً وطنياً في هذا المجتمع لولا لجوئهم لعمليات التفتيت والاستقطاب الطائفي التي تشحنها الفتاوى الدينية المشوهة والمزيفة؟..
ونزيد على ذلك ونقول، مهما تكن مثالب الحكم (ولا تخلو سلطة في العالم من المثالب)، فإن البسطاء في هذا المجتمع البحريني قبل حكماؤه لا يمكن أن يعطوا ثقتهم لمجموعات متطرفة لازالت غير قادرة على فهم قيم المعارضة السياسية وممارساتها المسؤولة في الحفاظ على مكتسبات المجتمع ومصالح الوطن وأمنه الداخلي والخارجي، وهي خارج السلطة، فكيف بها عندما تكون في قمة السلطة؟..
نعم، هذا بينما تمكّن جلالة الملك، وإدارته، كسب قلوب وعقول البسطاء والحكماء من أبناء الشعب البحريني، كأب وراعٍ أمين لمصالح شعبه، دون تمييز أو تفرقة، في أكثر الفترات الدولية تلاطماً وصعوبة، وليس كأحد المتنازعين على الأجندات والمصالح المتطرفة والمشبوهة..
ألم يكن من الأجدر على قادة العنف (لو كانوا كراماً)، المعفى عنهم (والعفو من شِيَم الكرام)، أن يسمُوا فوق أخطائهم، ويؤكدوا للملك والشعب بأن الفرصة قد حانت للوقوف صفاً بصف الحكومة والقيادة السياسية لمعالجة المشاكل الوطنية والتقدم في مسيرة الإصلاح، كمعارضة وطنية همها الوطن أولاً وآخراً؟.. وهل تدرك جماعات العنف (إن لم يكونوا لئاماً) كم كانت ستكسب لو تعاملت إيجاباً مع هذا التسامح والعفو الذي عمل بهما جلالته؟.. وهل تُدرك هذه الجماعات كم كسبت من احتقار وازدراء الشارع، جراء سلوكها اللاإنساني في مقايضتها على أرواح قتلى العنف الأبرياء بحفنة من الدنانير، فقط لأنهم من جنسيات غير بحرينية، وكأنهم ليسوا ببشر حرّم الله قتلهم، بينما تدعوا قتلاها شهداء يراد الاحتفاء بذكراهم في أعيادنا الوطنية؟؟.. فهل يؤتمن هؤلاء على الوطن؟!!!
وأخيراً، فإننا نتساءل مع الشاعر العربي:
متى يبلغ البنيان يوم تمامه إن كنت تبني وغيرك يهدم