دور الإعلام في إغتصاب العقول

في مقال له، يقول الكاتب الفلسطيني من رام الله، الدكتور عادل سمارة "لقد تمكنت ماكينة الاعلام التي تملكها وتديرها الرأسمالية من اختراق وعي البشر بزعم خطير مفاده أن (عصر الايديولوجيا قد انتهى)، والحقيقة ان الاعلام وماكينته الثقافية قد هزمت عصراً إيديولوجياً لصالح عصر آخر... هُزم عصر أيديولوجيا الأحزاب الثورية والاشتراكية ليسيطر في مكانها عصر أيديولوجيا السوق ورأس المال والفردانية والاستهلاكية والبِغاء السوقي... لقد إحتكرت الرأسمالية الاعلام، وبواسطته حولت العصر إلىعصر إيديولوجيتها... وكلما هيمنت إيديولوجيا رأس المال كلما قلت الحاجة للرقابة".


وأكثر ما يعزز مصداقية هذا التحليل هو ذلك الإحتلال الأمريكي البشع للعراق، الذي كشف للعالم أجمع النوايا الفعلية للإمبراطورية الأمريكية في السيطرة والهيمنة على مصادر الثروة والنفط في العالم، ومنها إلى السيطرة على العالم... كما كشف للعالم أيضاً السياسة الإعلامية البشعة التي مارستها الولايات المتحدة تجاه العراق، خلال عقدين من الزمن، بهدف إحتلاله، معتمدةً على الأكاذيب، وتغيير الحقائق، وتشويه كل الصور المرتبطة بالعراق ونظامه، سياسياً وشخصياً، بالحرب الإعلامية الشرسة، وبمعارك العلاقات العامة الناعمة. وفي هذا المجال يذكر السفير الفرنسي السابق، والخبير في شئون الشرق الأوسط، إريك رولو، (قبل الحرب والإحتلال) في مقال له في جريدة اللوموند الفرنسية "أنها المرة الاولى منذ الحرب العالمية الثانية التي يتم فيها إستخدام كل هذه الوسائل الإعلامية الكبيرة من أجل تحضير الرأي العام العالمي للحرب، هذا ما يحدث اليوم للمواجهة مع العراق، فالولايات المتحدة المتفوقة بلا منازع في مجال تقنيات الاعلام، أظهرت مهارة فائقة في هذا المجال، فالعديد من (دوائر الاتصال) داخل الإدارة الأمريكية، من البيت الابيض الى البنتاغون مرورا بوكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية، إضافة إلى المستشارين في (العلاقات العامة) الباهظي الكلفة، سعوا، بحسب التعبير الرسمي الأمريكي، (لاجتذاب القلوب والعقول) لصالح إستراتجية جورج دبليو بوش الهادفة إلى (تطبيع) العراق عن طريق القوة"، كما يذكر في نفس المقال أن هذا الجهد المنقطع النظير من الإدارة الأمريكية بالطبع لا علاقة له "بتحرير الشعب العراقي من الاستبداد وإقامة دولة ديموقراطية في ما بين النهرين، إنه ليس سوى رياء إضافي في نظر الرأي العام الذي يتذكر جميع الديكتاتوريين الذين تساندهم واشنطن اليوم أو ساندتهم خلال العقود المنصرمة"، وإنما يصب كل ذلك في تأسيس "القوة العظمى العالمية الوحيدة" كما يسميها الكاتب.
وفي الوقت الذي بدأت تلعب فيه الأقطاب الدولية لعبتها، بعد أن كشفت (بعد خراب البصرة) إن هذه السياسة الأمريكية وصلت إلى أخطر مراحلها، وإن إحتلال العراق يعني تأسيس البنية التحتية الرئيسية في الإمبراطورية الأمريكية، وإن قرار المشاركة في الكعكة العراقية أجدى لها من معارضة تلك السياسات الإستعمارية الضاربة... نرى إن الأنظمة العربية لا تزال تتعامل مع هذه القضية بعفويتها وسلبيتها المعهودة، رغم كل ما بدأ يظهر على الساحة من تفاعلات سريعة نحو تنفيذ الإستراتيجية الأمريكية المدعوة بـ "إعادة رسم المنطقة سياسياً وجغرافياً"، من خلال مظاهر العنف ، غير المسبوقة، هنا وهناك.
وكما كان للاستسلام العربي لآلة الإعلام الأمريكية، بأكاذيبها اليومية والمتكررة والمدروسة الأبعاد والتأثيرات، دور كبير وأساسي في تسهيل مهمة الإدارة الأمريكية في إحتلال العراق، نرى ذلك الإستسلام والسذاجة العربية لازالت مستمرة في وصفها وتحليلها وتعاملها مع أحداث العنف الأخيرة في شبه الجزيرة العربية، تلك الأحداث التي هي تكرار لما حدث للعراق في ثمانينيات القرن الماضي.
واليوم، بعد هذا الإستسلام العربي الذي طال أمده، وذلك الإغتصاب الإعلامي لعقولنا، هل يمكننا أن نأمل في مساحة موضوعية من العقل العربي تقبل التعمق طلباً للحقيقة، وتعمل على التصدي لهذه الحرب الإعلامية المستمرة، لاكتساب شيئاً من المناعة ضد الفيروس الأمريكي، والتصدي لتلك الأكاذيب التي يحاول العدو دسها في عقولنا لتحقيق أهدافة الإمبراطورية؟


كلمات دالة: