يجب الاعتراف بأن الأحداث التي تمر بها البحرين لا تمت بصلة للملفات الإنسانية المرفوعة أو لقضايا خلافية بين السلطة والمعارضة، بقدر ما هي جزء من اللعبة الدولية والإقليمية التي تمر بها المنطقة العربية عموماً، والخليجية خصوصاً.. ولربما الأحداث الحالية تكشف لنا حقيقة الأحداث السابقة (التسعينيات)، التي كانت، بعد إنهاء دور العراق (حرب ۱۹۹۱)، مؤشراً على رص اللبنات الأولى في المشروع الاستعماري الجديد مع بدء مرحلة التغییر في النظام الدولي.. فالأحداث التي تمر بها مملكتنا الجميلة (التي تحاول أيادي الغدر تشويهها)، هي أولاً: جزء من أحداث المنطقة، وهي ثانياً: مرحلة متقدمة في ذات المشروع الذي بدأ في تسعينيات القرن الماضي، من خلال الصناعة الطائفية التي يتمحور حولها المشروع الاستعماري في بلداننا.. وهي ثالثاً: جزء من استراتيجية وأحداث لن تنتهي بانتهاء أو بتحقيق "المطالب" الحالية، كما لم تتوقف بعد المصالحة في نهاية المرحلة السابقة.

مع نهاية الحرب الباردة كانت كل الترتيبات الأوروأمريكية قد انتهت للدخول في عصر جديد من دون أن تفقد، هذه الدول الاستعمارية، سيطرتها ونفوذها في الهيمنة على العالم . . فبدءاً بمنظمة الأمم المتحدة التي تداركت تلك الأمم، مبكراً، بأنها لكي تكون جزءاً من النفوذ الغربي يجب أن يتولى قيادتها أمين عام من العالم الثالث، يسهل إدارته وتوجيه قراراته ليكون منظماً لشئون دول المركز المتسيدة، وانتهاءً بإعادة تنظيم التشريعات الدولية لتتحول إلى آليات للضبط والربط حيثما وحينما تتطلب مصالح قادة العالم . .
فجاءت تشريعات الحرب على الإرهاب، والعهود الدولية لتنظيم وحماية ما يُدعى بحقوق الإنسان، ومجموعة القوانين المالية والاقتصادية والمنظمات الدولية التي سرقت حرية الأفراد والمؤسسات في تداول مصالحها ومنافعها بقوة القانون والتهديد الدولي . . وأخيراً وليس آخراً جاءت "محكمة العدل" الدولية، التي أنشئت للتحكم في سلوك دول العالم الثالث، وأنظمتها، فيما يخص الحفاظ على مصالح دول الأسياد قادة العالم . . ولا ننسى حزمة نظريات وقوانين الحروب الاستبقاية والوقائية، وأعدادا من السجون النائية والطائرة، وحرب الإعلام، التي أصبحت كلها مجتمعة جزءاً من النظام الدولي الجديد . . نظام القطب الغربي الأمريكي الذي بات يعتبر نفسه بحق سيد العالم منذ سقوط المنظومة الاشتراكية في تسعينيات القرن الماضي . .

كانت تسعينيات القرن العشرين مرحلة خلق وتنظيم أدوات وآليات غربية جديدة تعطي الشرعية لإستمرار عمليات السيطرة والهيمنة على المنطقة العربية في عصر ما بعد الحرب الباردة، ولم يطل الوقت حتى اتضحت الأمور.. فبعد أن تم افتعال مجموعة من الصراعات والمشاكل الطائفية والأثنية المتفرقة، في منطقة الخليج والمشرق العربيين، تم استخدامها لنسج جملة من الذرائع حول الإرهاب والديمقراطية، وفي وقت قياسي، جاءت العلاجات الجاهزة لحل تلك الصراعات والخلافات، في منظومة تشريعية دولية خاصة بالحرب على الإرهاب وعشرات الآلاف من منظمات حقوق الإنسان لنشر وتثقيف الشعب العربي (المتخلّف) بـ"مبادئ الديمقراطية والتسامح"..
إلا إن تواصل وتوالد هذه المنظمات باتت على درجة فائقة من الدقة والسرعة، حتى لم يعد الفرد العادي قادراً على معرفة أصول اللعبة وحقيقتها.. ولكي لا نطيل أضع أمام القارئ صورة لنموذج واحد من هذه المنظمات، وكيف ولماذا وأين يتم إنشاؤها..

منذ بداية القرن الأمريكي الجديد ( القرن الواحد والعشرين )، وخلال أقل من تسع سنوات مرت من هذا القرن حتى يومنا هذا، فرضت على منطقتنا ثلاثة حروب كبرى في العراق ولبنان وفلسطين، تجاوزت ضحاياها أربعة ملايين مدني بريء، ما بين شهيد وجريح، وأكثر من أربعة ملايين شريد ولاجي يعيشون في أسوأ الظروف المعيشية واللاإنسانية، ومئات الألوف من المعتقلين داخل السجون الأمريكية في العراق وجوانتنامو وأخرى سرية منتشرة حول العالم، انتهكت فيها القوى الغربية كل القيم الإنسانية، بممارسة كل أنواع التعذيب والاغتصاب والقتل، وهنك الحرمات والأعراض، واختطاف الأبرياء ونقلهم في السجون الطائرة إلى أقاصي الأرض، وانتهاك كل أنواع حقوق الإنسان . .