بدأت المقاومة العراقية باستراتيجية تحطيم الروح المعنوية لدى العدو، لما لهذا العدو من قوة تهابها القوى الكبرى في العالم... ووضعت هذه الاستراتيجية لأسباب مدروسة، بدأت تحقق نتائجها المتوقعة، ويمكن تلخيص تلك الأسباب كالتالي:
1- إن الجيش الأمريكي كأفراد لم يتعودوا على القتال الأرضي المباشر مع العدو في حرب مفتوحة، منذ حرب فيتنام إلى تاريخ دخولهم الأراضي العراقية كغزاة... وحتى في فيتنام كانت القوات الأمريكية تعاني من هذه العقدة، أو نقطة الضعف القاتلة، لذلك عملوا على تأسيس وتدريب جيش فيتنامي تحت قيادتهم ودعمهم لمواجهة جيش المقاومة الفيتنامية، كما يفعلون في العراق الآن، وفي هذا المجال كتب مؤخراً هنري كيسنجر في صحيفة الواشنطن بوست مقالاً يذكر فيه إنه "بالرغم من المصاعب الكبيرة التي كانت تواجهنا في فيتنام، فإن قرار استبدال قوات أمريكية بجيوش محلية، والذي أطلقنا عليها آنذاك (الفتنمة Vietnamization)، كان من وجهة نظر أمنية قراراً ناجحاً بشكل عام"؛

أكدت ثمانية فصائل من المقاومة العراقية، مؤخراً، إنها ستعلن قريباً عن الشكل النهائي لتشكيل مكتب سياسي واحد يمثل جناحها السياسي الذي سيتولى إدارة أي مفاوضات محتملة مع الاحتلال الأمريكي أو أي أطراف أخرى، وإن هذا المكتب سيبدأ المرحلة الأولى من نشاطه في السرية، وسيتفاوض مع أي جهة عبر وسائل الاتصالات الحديثة مثل الإنترنت وليس مباشرة... وهي الوسيلة التي استخدمتها المقاومة العراقية في التفاوض مع الحكومة الفرنسية حول الصحفيين الفرنسيين جورج مالبرونو وكريستيان شينو خلال فترة احتجازهما كرهينتين وحتى تسليمهما بيد قوات الأمن والكوماندوز الفرنسية في بغداد، أي في الفترة من أغسطس إلى ديسمبر 2004... وهي الوسيلة التي تُوَصّل صوت المقاومة إلى العالم من خلال بياناتها والصور الموثقة لعملياتها المنتشرة على كافة الأرض العراقية، كما تتبادل من خلالها الرسائل مع أصدقائها من الكتاب والإعلاميين.
وفي نفس الوقت أكدت هذه الفصائل انتهائها من تبني اتفاق مبادئ في مشروع سياسي موحد يكون مرشداً لمكتبهم السياسي، ينص في مقدمة أولوياته، على انسحاب قوات الاحتلال من العراق وإعادة بناء الجيش العراقي ومؤسسات الدولة على أسس سليمة وغير طائفية.
وجاء الإعلان عن اشتراك فصائل المقاومة في كيان سياسي واحد، ليعبّر عن نقلة نوعية جديدة في عملها، وليؤكد حقيقة وجود اتصالات، بهدف التفاوض، بين المحتلين وبينها، في إشارة واضحة إلى عمق أزمة الاحتلال في العراق من جهة، وإلى مدى قوة المقاومة ونجاح استراتيجياتها من جهة أخرى.
أما الفصائل الثمانية المشتركة في هذا المكتب السياسي فهي أقوى فصائل المقاومة العراقية، وأكثرها بروزاً وقرباً من الشارع العراقي، وهي التي تشكّل الهيكل الأساسي للمقاومة في العراق منذ بدء عملياتها في اليوم الثاني من الاحتلال. وقد تم بناء هذه الفصائل في هيكل عمودي مركّب، وفي خطوط متشابكة ومعقّدة، مما يصعب كشفها رغم إن خيوطها تلتقي بيد قيادة واحدة.
تم وضع اللبنة الأولى في بناء هيكل المقاومة بواسطة المخابرات العراقية، لتتشكّل أساساً من كبار الضباط العسكريين في الجيش العراقي والتصنيع الحربي والمخابرات العراقية... لذلك جاءت بداياتها قوية لأنها ملكت أولاً: الكفاءة العسكرية الكاملة في التخطيط والقتال، وثانياً: الكفاءة العلمية والتقنية الكاملة في تطوير الذخائر والأسلحة، وثالثاً: الكفاءة المخابراتية القوية والمحترفة في جمع المعلومات وتصنيفها واستخدامها، وهذه الكفاءات هي الأعمدة التي تقف عليها هذه المقاومة بكل صلابة في معركتها ضد الاحتلال وحلفائه.
ويمكن تعريف الفصائل الثمانية المذكورين كالتالي:

كانت المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي لفرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية هي أولى المقاومات الوطنية التي أطلق عليها صفة الإرهاب من قبل المحتل لخلط الأوراق وتشويه صورة المقاومين... إلا إن "الحرب على الإرهاب" التي أعلنتها الإدارة الأمريكية، وكل ما يعيشه العالم من إفرازات تلك الحرب من فوضى وعدم استقرار أمني خطير، فهي استراتيجية أنجلو-أمريكية تم البدء بتأسيسها منذ ثمانينيات القرن الماضي، لتحل محل الحرب الباردة التي كانت مكان ابتزاز دول الخليج العربي، الغنية بالموارد النفطية، من قبل الاستعمار الغربي عموماً.
يذكر البروفيسور هيثم الناهي في كتابه "السياسة النووية الدولية وأثرها على الشرق الأوسط" إن الولايات المتحدة كانت تراقب الحقائق البترولية في منطقة الخليج بضفتيها، و"تتخذ حلاً لكل خطوة بعد خطوة وتحرص على إنجازها بنجاح، كي لا تفاجأ بما لا يحمد عقباه". إلا إن القوة الأمريكية الجديدة والصاعدة حينها قد بدأت تفكر بأساليب جديدة تجعلها قادرة على تأمين نفط الخليج لصالحها، منذ عام 1965، عندما أنشأت أول قواعدها العسكرية لحماية منشآتها النفطية في المملكة العربية السعودية. "إلا إن الصورة الجدية في العمل الأمريكي بدأ يأخذ صورة الحقيقة بعد حرب عام 1967، عندما صرّح رئيس الوزراء العراقي الأسبق (طاهر يحيى) بضرورة استعمال البترول كسلاح" ضد الغرب الذي يدعم العدو الصهيوني لإجباره على الانسحاب من الأراضي المحتلة. إلا إن إيقاف تصدير النفط العربي لأيام معدودات، أثناء حرب 1973 ضد إسرائيل، وما رافق ذلك من ارتفاع مفاجئ في أسعار البترول، أعطى مبرراً واقعياً للمخاوف الأمريكية والغربية عموماً، باحتمال تحكّم العرب في إنتاج وتصدير وأسعار هذا المنتج الحيوي...

منذ اللحظات الأولى لتفجيرات لندن، صباح يوم الخميس 7 يولية 2005، وحتى الآن، والحكومة البريطانية والأمريكية وكل الحكومات الغربية وأجهزتها الإعلامية تحاول جهدها، وبأحدث الأساليب الإعلامية والسياسية، أن لا تشير إلى أية علاقة، قريبة أو بعيدة، بين تلك التفجيرات وحرب القرن الواحد والعشرين "الصليبية المقدّسة" (كما وصفها جورج بوش)، على العراق وأفغانستان أو في فلسطين، وإلى علاقة تلك التفجيرات بهمجية وبربرية الاحتلال الأنجلو أمريكي في هذين البلدين، أو بالظلم الإجرامي الاستعماري الأنجلو أمريكي السائد على كوكب الأرض ضد الإسلام والمسلمين منذ بداية هذا القرن الميلادي الثالث... ولكن لم يتوان توني بلير عن الإعلان، قبل البدء بأي بحث أو تحري وتقصي، بأن القائمين بهذه العمليات "الإرهابية" هم "إرهابيون" مسلمون، وعرب، تماماً كما تم الإعلان عنه في أحداث 11 سبتمبر 2001 قبل البدء بأي تحقيق حولها.
ومنذ اللحظات الأولى لتلك المآسي التي وقعت في العاصمة البريطانية، وكل التصريحات تندد بالأعمال "الإرهابية" التي تستهدف المدنيين الأبرياء في العواصم الغربية، وكأن ذلك الشعب العراقي والأفغاني والفلسطيني الذي يُقْتَل يومياً بالعشرات والمئات، بكل بماكينات القتل والإبادة الإنجليزية والأمريكية، في الشوارع وحفلات الأعراس والأسواق والمدارس وغيرها، هم ليسوا مدنيين أبرياء، بل هم حسب المفاهيم الغربية العنصرية، إما من فئة أدنى من البشر، أو فئة من بني البشر التي لا تستحق الحياة، أو إنهم بشر ولكن غير أبرياء وإبادتهم مشروعة...