تتفاعل على أرض العراق اليوم مشاريع بناء ثلاث امبراطوريات... امبراطورية أمريكا الاستعمارية (مشروع أوراسيا، من حدود الصين شرقاً إلى البرتغال وموريتانيا غرباً، ويعد العراق عمود الإرتكاز الاستراتيجي للمشروع)، ودولة إسرائيل في كردستان العراق (امبراطورية اسرائيل من النيل إلى الفرات)، وجمهورية العراق الإسلامية التابعة لإيران بنظام ولاية الفقية (الامبراطورية الساسانية). ورغم تضارب هذه المشاريع الاستعمارية التوسعية الثلاثة، إلا إن تقاطع مصالح أصحابها، يجعلهم يعملون معاً على مستوى التعاون، والشراكة، وتبادل المواقع والمسؤوليات فيما بينهم، علناً تارة، ووراء الكواليس تارة أخرى... بالقتال والانتخابات والإدارة على أرض الواقع العملي في العراق تارة، وبالمواقف والأصوات الداعمة في المحافل الإقليمية والدولية تارة أخرى.

من أهم أسباب فشل أي مسؤول بأداء وتطوير العمل الذي أنيط بمسؤوليته هو أولاً: افتقاده للكفاءة العلمية المطلوبة لهذا الدور أو العمل، و/أو ثانياً: إفتقاده للإخلاص والولاء الوطني الذي يُفقِدَه القدرة على العطاء... وهؤلاء هم من أنواع البشر الذين يطالبون ويطلبون ويأخذون دون أن يقدّموا أي عطاء في حياتهم، ودون أن يحققوا أية مصلحة لغير ذواتهم، ودون أن يؤدوا أي واجب عليهم لأي طرف حتى لو كان هذا الطرف هو الوطن.
ولكن، مما نحن بحاجة لفهمه هو لماذا؟! وكيف؟! يصل أولئك الفاشلين إلى تلك المناصب الهامة والخطيرة في الدولة؟، وكيف؟! يتمكن لأولئك الفئة دون غيرهم أن يقنعوا أصحاب القرار بأحقيتهم في تولي تلك المسؤوليات؟، رغم اتساع رقعة أصحاب الكفاءات والسجلات العلمية والعملية والسياسية المشرفة في مجتمعنا البحريني، الذي يمكن أن يكون نموذجاً يحتذى به في العملية التنموية والسياسية.
فمن ناحية، دائماً ما يحافظ أصحاب الكفاءات على سمعتهم العملية كأشخاص يحملون مؤهلا لها تقدير خاص، فيحرص هؤلاء أن يكونوا جديرين بمؤهلاتهم وكفاءاتهم العلمية بما يقدّموه من خلال حياتهم العملية وسمعتهم المهنية... وبهذه الأمانة والمسؤولية، يبتعد أصحاب الكفاءات عن التزلف وتسويق الذات للحفاظ على أمانتهم الأخلاقية من جانب، والحفاظ على مستوى كفاءاتهم العلمية من جانب آخر. وعادة ما يكون، أصحاب الكفاءات والآفاق الفكرية الواسعة، أيجابيين في نظرتهم وتقييمهم لكل ما يحيط بهم، فيكون عطائهم وفيراً، ونظرتهم المستقبلية متقدمة، دون أن تكون محاسبة الماضي هاجساً معرقلاً لمسيرتهم، بقدر ما تعد هاجساً يلازمهم لتفادي الأخطاء القديمة والانطلاق نحو آفاق النجاح...

"الَّذِينَ أَمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبيلِ اللهِ وَالذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ
فَقاتِلُوا أَولِيَاءَ الشَّيطَانِ إِنَّ كَيدَ الشَّيطَانِ كَانَ ضَعِيفاً"(النساء 76) صدق الله العظيم
يؤمن العرب عموماً بإن أي تغيير للواقع العربي السلبي الذي نعيشه بتصاعد مستمر، أو نجاح أي مشروع نهضوي لهذه الأمة، لن يتم ما لم يقم على أساس وحدوي تتكامل به كل طاقات وموارد هذا الوطن الكبير في كتلة إقليمية موحدة الإرادة والقوة في إقتصادها وسياساتها... وكذلك يؤمن الشعب العربي، وخصوصاً بعد فشل كل التجارب الوحدوية، الثنائية والثلاثية والرباعية والتعاونية وغيرها، التي قامت خلال القرن الماضي بإرادة بعض الأنظمة العربية، بإن أية وحدة عربية لن تنجح ما لم تتشكل بإرادة وفعل الشعب العربي على مختلف المستويات، المدنية والسياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية. فنجاح هذه الوحدة يعتمد على تداخل قوة الشعوب العربية وترابطها فكراً وتراثاً وعقيدة وممارسة، والتي لا يمكن تفكيك مفاصلها الإنسانية والحضارية والتاريخية ولا يمكن إلغائها من الذاكرة أو الوجدان الشعبي.

جاءت قراءتنا الأولية للرسائل الملكية، التي بعث بها ملك البلاد، للشعب البحريني من خلال الإعلام، سواء ما كتبه شخصياً أو ما صرّح به في لقاءاته مع مختلف الفعاليات المجتمعية، جاءت قراءتنا لها على إنها الإعلان عن إنتقالنا كمجتمع ودولة من مرحلة انتهت إلى مرحلة جديدة بدأت في العملية الإصلاحية، مع ما تتطلبه هذه المرحلة من دعائم وقواعد وأسس أكثر قوة وصلابة للإنطلاق نحو المزيد من الانفتاح الديمقراطي، وتثبيت الأسس السابقة لحماية انجازات المرحلة الماضية، في نسق البناء التراكمي للأصول والمكتسبات المجتمعية المطلوبة لتحقيق التغيير المنشود.
خصوصاً وإن الدعوات الملكية توافقت مع انتهاء السنة الرابعة على إعلان الدستور البحريني بعد التعديلات التي أقرت تحوّل البحرين إلى الملكية الدستورية، وبدء عملية التحول الديمقراطي... وبعد مرور أكثر من أربع سنوات على إعلان ميثاق العمل الوطني الذي حاز على إجماع الشعب البحريني، والذي ظهر في نتائج الاستفتاء العام بنسبة 98.4%...
ومع طيّنا للصفحة الأولى من صفحات الإصلاح، التي عاشت خلالها البحرين عملية مخاض سياسي وتفاعل مجتمعي ومد وجزر على مختلف الأصعدة الرسمية والشعبية، ومع شروعنا بتصفح صفحته الجديدة...