العنوان أعلاه هو لكتاب، صدر قبل الحرب على العراق، من تأليف البروفيسورة آنا ماريلي، أستاذة النقد التاريخي في جامعة بروكسيل, تسلط فيه الضوء على حملة الدعاية المنظمة التي مارستها الولايات المتحدة لإقناع الرأي العام الدولي وكسب تعاطفه لصالح شن الحرب على العراق، ونفذتها الماكينة الإعلامية الحربية الأمريكية بدقة متناهية وبدون كلل, وحسب الكاتبة فقد كان يقف خلف هذه الماكينة جهاز بارع ودقيق يمتلك طريقة خاصة في العمل تكاد تكون صالحة لكل الأوقات ولجميع الحروب تقريباً... وعن أهمية هذه المبادئ العشرة تقول الكاتبة إن قادة الدول يلجأون إليها لكسب تأييد شعوبهم وتعاطفهم في أوقات الحروب، وقد عمل على كشفها آرتور بونسونبي، النائب العمالي في مجلس العموم البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى, بسبب مناهضته لمشاركة بريطانيا في تلك الحرب, في كتاب بعنوان "الدعاية في أوقات الحرب" لخص فيه أسلوب الماكينة الإعلامية الحربية في ترويج الأكاذيب في أوقات الحرب لخداع الشعب وكسب تعاطفه.

سبق أن كان لنا رأي في حركة الإسلام السياسي التي نعاصرها منذ ما يزيد على عقدين من الزمن، على إنها بعيدة عن الحركات الإسلامية التي ظهرت في بدايات القرن العشرين على قاعدة الفكر الديني والأهداف الوطنية والقومية المتقدّمة... فحركة الإسلام السياسي المعاصرة تمكنت من الإنتشار بعد التحولات التي حصلت في إيران، وأصبحت قوة ملأت محل القوى الوطنية التي تم قمعها ونسيانها، لتكون القاعدة الأمامية في مواجهة الشيوعية من ناحية، ولملء الفراغ السياسي الذي نشأ مع بدايات عهد الاستقلال وتغيير سياسات المنطقة ضمن التوجه والمصالح الأمريكية، فجاءت بالعنف والتطرف الطائفي والتشديد على إعلان الهوية الدينية والطائفية من خلال مظاهر مختلفة.
لم تتمكن حركة الإسلام السياسي من أن تقوم على مؤسسة إيمانية بقدر ما تحولت إلى حركة أساسها معادلات سياسية، مع الإذعان للضغوط السياسية لإحياء المظاهر الدينية المتطرفة وفرضها على المجتمع الإسلامي، في عملية واسعة من تضييق الحريات وتهميش الدور الإنساني المتسامح للدين، مما حدا بنمو حركة مناهضة للإسلام على المستوى المعنوي والعقائدي وفي الحياة الشخصية للجماهير.

من الملاحظ تزايد عدد المثقفين العرب الذين انفتحت آفاقهم وقرائحهم مؤخراً نحو الدعوة لقبول الغرب المستعمر والمحتل لتقدميته الفكرية والعلمية والمنهجية، كما ارتفع معدّل ظهورهم العلني في الندوات والمحاضرات ليعلّقوا آثام الأمة ومآسيها كلها على شماعة التيار الديني فقط، في هذه المرحلة العصيبة التي تتعرض فيها الأمة العربية والإسلامية للعدوان العسكري على أراضيها، والحصار الاقتصادي على ثرواتها، والتشهير والتشويه الإعلامي لمبادئها وقيمها الإنسانية والإسلامية، تحت طائلة تهمة الإرهاب وتوليد الإرهابيين... فيا ترى هل هذا هو الأوان المناسب لنشر تلك الثقافة الإنهزامية التي لا تصب إلا في دعم مبررات وذرائع وأكاذيب العدوان ضد الأمة، أم هو أوان توحيد الجهود لمواجهة تلك الأكاذيب، وتحشيد الجماهير العربية حول ثقافة المقاومة ورفض الإذلال الاستعماري وكشف أكاذيب وعدائية العدو ومخططاته الإجرامية الهادفة لتحقيق مصالحه فقط، وليس أي شئ آخر!!
من بين هؤلاء المثقفين، استقبلت البحرين خلال الأشهر الأخيرة الأستاذين صادق جلال العظم، وسيد القمني من اليسار العربي، في ندوتين منفصلتين، ليفاجئوا الجمهور البحريني بطروحاتهما القاصرة والأحادية الرؤية حول تشخيص أسباب أزمة التخلف العربي التي حمّلوها بمجملها على الفكر الديني، والسلفي خصوصاً... وكان قد سبقهم السيد هاني الفحص، اليساري سابقاً والديني حالياً، ليقف معهم في نفس التوجه، ولكن بطرح آخر، رغم التزامه بلبس الجبة والعمامة السوداء... وكأننا أمام ظاهرة جديدة تبث الدعوة للإستسلام طلباً للخلاص!!!

إلى أصحاب الجلالة والسمو، زعماء القمة الخليجية الثالثة والعشرين، نتقدم بهذا الخطاب المفتوح في مراجعة لأوضاع المنطقة مع نهاية مرحلة من الصعاب والأحداث الجسام امتدت لفترة ربع قرن، وبداية مرحلة لا تقل عن سابقتها صعوبة وخطورة...
دون الدخول في تفاصيل تلك الأحداث المرة التي مرت على منطقتنا الخليجية، وانتهت بإحتلال العراق والسيطرة الأمريكية التامة على كل منافذ المنطقة براً وبحراً وجواً، وعزلها عن عمقها وظهيرها الأمني الاستراتيجي العربي، ووقوف الخليج اليوم، بلا حول ولا قوة، في مواجهة مباشرة أمام كل التهديدات والأخطار الأمنية والديمغرافية والطائفية والاقتصادية التي تهدد استقرار ووحدة وسيادة المنطقة وهويتها العربية... بعد كل ذلك الذي عاصرناه على مدى أكثر من ربع قرن، لا يمكننا إلا أن نبدأ بالتذكير والتأكيد على ما قيل قبل 23 عاماً، حول قراءة الدوافع الفعلية وراء تشكيل هذا المجلس عام 1982، أي في بدايات الحرب الإيرانية العراقية، وخصوصاً بعد أن أثبتت الأحداث صحة تلك القراءة وواقعيتها.