أرادت الهيمنة الخارجية، على الأنظمة العربية، إلغاء كامل بنود جدول أعمال القمة العربية، عدا بند مبادرة "الشرق الأوسط الكبير"... فأصبحت الأنظمة العربية، التي لن تحصد غير الخسائر من هذه المبادرة، تحت الضغوطات المباشرة، دون أن تملك أية وسائل للتصدي لهذه الضغوطات غير تأجيل القمة العربية... إلى أجل غير مسمى.
هكذا بدأت الأمور تتضح وتفصح عن نفسها... بعد أن تهادت وتعاونت الأنظمة العربية في إحتلال العراق... وهكذا يتدرج، بل يتدحرج، الوضع العربي نحو الاسوأ...

مساء الجمعة، ولكي أتفادى إزدحام المرور في الشوارع الرئيسية، فضلت السياقة في الطرق الفرعية في المنامة للوصول إلى هدفي، وإذ بي أمام مجموعة من الأطفال المهرولين في الشوارع مبتعدين عن حريق أشعلوه في منتصف الطريق، في حي سكني، وهم شبه حفاة وشبه عراة، إذ كانوا يحاولون تغطية رؤوسهم وأنوفهم بملابسهم لتفادي تأثيرات مختلف أنواع الإدخنة المتصاعدة من ذلك الموقع حينذاك.
كان المنظر ملفتاً للإنتباه والتساؤل والتأمّل، حيث عرفت فوراً إنهم متراجعين مما يدعى بمسيرة تظاهرية بعد مصادمات مع الشرطة... ولكن لم أتمكن في البداية من معرفة أسباب التظاهرة، لأن كل ما كان أمامي هو عبارة عن مجموعة من الأطفال تتراوح أعمارهم ما بين 10 -15 سنة، يتحركون في كل إتجاه، يمارسون العنف والفوضى، وكأنهم يتسلون، في وقت فراغهم، بألعاب العسكر والحرامية، في الوقت الذي كان من المفترض أن يكونوا نياماً في أسرّتهم في ذلك الوقت المتأخر من اليوم، استعداداً ليومهم الدراسي التالي.

قام دونالد رامسفيلد بسلسلة من المقابلات التليفزيونية في البنتاغون، بعد عملية تفجير فندق "جبل لبنان" في بغداد، وقال في أحداها "... إن الأمن في العراق يختلف باختلاف مناطق الدولة، وحتى من شهر إلى آخر... ولقد شاهدنا ارتفاعا وهبوطا في الأحوال الأمنية. وما أريد قوله للشعب العراقي، إنه مكان خطير (يقصد العراق)... وإنها معركة تجري في موقعها وموجودة وتجري منذ مدة ليست بالقصيرة...".
هكذا تحاول الإدارة الإمريكية التعتيم على حقيقة الأوضاع في العراق... سواء فيما تتكبده القوات الإمريكية من نزيف عميق ومستمر بشرياً ومادياً جراء عمليات المقاومة العراقية... على مدار الساعة... أو فيما تقوم به القوات والمخابرات الإمريكية والإسرائيلية هناك من أدوار مشبوهة ورهيبة... تلك الحقائق التي لا تلبث أن تكشفها مختلف المصادر الأخرى رغم محاولات استحكام التعتيم الإمريكي... ومشاركة منا في كشف زيف (حرية) الإعلام الإمريكي، وزيف الديمقراطية الإمريكية، ننشر (كمثال) ما وصلنا من معلومات عن حقائق عملية تفجير فندق "جبل لبنان" في بغداد.

عن طريق البريد الالكتروني إستلمت نص حوار صحفي، مثير وهام، مع الأكاديمي الإمريكي الاشهر، نعوم تشومسكي، ولكونه أكثر المفكرين إنتشاراً في الغرب من خلال كتبه الأكثر رواجاً... وجدت من الأهمية نشر بعض من مقتطفات ذلك الحوار، للتنوير بالفكر الغربي... يقول تشومسكي:
"لاعتقال صدام حسين معنى رمزي لا أكثر، فالناس لم تعارض حرباً في العراق لأنها افترضت أن صدام ما كان ليعتقل أبداً. والمشكلة في العراق ليست هذه، فالمدهش في الأمر هو أننا نجد أنفسنا في بلد مدمر عملياً من جراء العقوبات التي فرضت عليه طويلاً، حيث كان هناك طاغية، لكن هذا الطاغية لم يعد هناك، حيث لا يوجد دعم عالمي لأي نوع من المقاومة للاحتلال الأميركي وتسيطر الولايات المتحدة على جميع الموارد الطبيعية، وقد أجبرت مجلس الحكم العراقي على قبول برنامج اقتصادي يبيع العراق للرأسمال الأجنبي، وحيث تستطيع الولايات المتحدة انفاق الأرصدة التي تريدها على حملتها العسكرية، وذلك يبدو احتلالاً سهلاً إلى أقصى حد، ويتطلب عبقرية غير عادية لإفشاله... ومع ذلك، فلقد فشلت الولايات المتحدة حتى الآن. والألمان كانوا أفضل بكثير في السيطرة على أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، حيث شكلوا حكومات محلية، مثل حكومة فيشي، مع قوات أمنية محلية، لكنهم كانوا وراء هذه الحكومات بشكل واضح. وروسيا فعلت الشيء نفسه مع بلدان أوروبا الشرقية، حيث وضع دمى محلية في تلك الدول، ووقفوا خلفه، ولقد حدث كل هذا في ظروف أشد قسوة إلى أقصى حد مما وجده الأميركيون في العراق".