ناقش ملتقى الأربعاء الأسبوعي في جمعية العمل الديمقراطي، تفاعلات أحداث برنامج "الأخ الأكبر" الذي تم إلغاء تصويره وبثه من البحرين، نتيجة لحركة الشارع البحريني الرافض لهذا النوع من برامج التلفزيون الواقعي... وكان للإقتصادي البحريني القدير، الدكتور خالد عبدالله، كلمة في هذه الندوة تدور حول الممارسات الوصائية التي يتم فرضها على المجتمع البحريني من قبل التيار الإسلامي السلفي، وتوقعاته المستقبلية حول مدى إتساع هذه الظاهرة الوصائية في المجتمع البحريني وتأثيراتها على مختلف أوجه الحياة البحرينية.
طوال تلك الندوة التي أخذت بآراء ومداخلات عدد كبير من أعضاء الجمعية، لم يتطرق الحاضرون بكلمة موضوعية واحدة عن تأثير هذا النوع من البرامج على ثقافة المجتمع العربي الإسلامي من حيث إنه جزء من مشروع إعلامي موجه وذو إسقاطات مختلفة على هوية المنطقة بشكل أو بآخر... ولا بكلمة واحدة معبّرة عن واقع هذه البرامج التي تلاقي رفضاً كبيراً حتى في المجتمع الغربي، حيث نشرت الصحافة الكثير من المعلومات بهذا الخصوص، مثل، إجبار إحدى المحطات التلفزيونية الفرنسية على إلغاء تصوير أحد هذه البرامج بالمظاهرات والإحتجاجات التي استمرت أمام مدخل المحطة، وقيام الأهالي بسد منافذ المحطة بأكوام من نفايات المدينة...

بدعوة من مستشفى البحرين الدولي، قدّم العالم النفسي الكبير، الدكتور عادل صادق، رئيس قسم الطب النفسي بجامعة عين شمس ومدير مركز الطب النفسي في القاهرة، محاضرة علمية ثقافية وطنية، إلى جمهور المستشفى في أحدى قاعاته، بعنوان دور الأسرة في علاج المدمن، ليقرع جرس الإنذار إلى خطورة المخدرات والإدمان على شبابنا من حيث إنه إختراق وغزو ثقافي واقتصادي ضد العرب، يعادل خطر الغزو العسكري بأحدث آلياته التكنولوجية، إن لم يكن أكثر خطورة منه.
جاءت الإشارة الأولى من المحاضر للتأكيد، رغم عدم توفر قاعدة بيانات دقيقة، على إن خطر الإدمان في منطقة الخليج في تسارع وتزايد بمعدلات كبيرة وخطيرة جداً، لعامل رئيسي وهو توفر المال لدى فئة الشباب في هذه المنطقة، وهو العامل الذي كان لفترة طويلة عائقاً ضد تفشي هذا الخطر في دول عربية أخرى. ولعدم توفر هذه البيانات عن الحالة الخليجية، إستعان محاضرنا ببعض البيانات المتوفرة، حول الحالة المصرية، للإشارة إلى خطورة هذا المرض المتفشي في جميع المجتمعات العربية. ولأهمية هذا الموضوع نتناول هنا بعض المفاصل الأكثر أهمية من تلك المحاضرة القيّمة.

يقول العالم العربي الكبير، الدكتور عادل صادق، إن إدمان المخدرات يعد حالة مرضية متعددة الأسباب، وإن نسبة المعافاة التامة منه تصل إلى 5% فقط (في أحسن الظروف)، ومشوار العلاج مضني ومتعب جداً، من حيث إنه يجب أن يكون علاج طبي ونفسي وعقلي واجتماعي وديني وروحي وأخلاقي وسلوكي، في خطوط متوازية ومترافقة لكي نضمن المعافاة. أما المدمن الذي لا يكون ضمن هذه النسبة من المتعافين فإن نهايته، بكل تأكيد، ستكون إما الموت وإما السجن وإما الجنون.
في شرحه للمراحل المختلفة التي يمر بها متعاطي المخدرات ليصل إلى حالة الإدمان يقول إن المخدرات تحدث عند تعاطيها في البداية أثراً طيباً وممتعاً، وآثاره تظهر على شكل حالة من الاسترخاء وانتهاء القلق والإبتهاج النفسي، ولكن المرحلة الثانية تبدأ عندما يطلب الجسم جرعات أكبر للوصول إلى ذلك الإحساس، وهنا يبدأ العد التصاعدي في زيادة الجرعات للوصول إلى مرحلة الإدمان، وهذا يعني إن عدم التعاطي يسبب تلك الآلام المبرحة التي تدعى آلام الإنسحاب، مما يدفع المدمن إلى ممارسة أرذل الأعمال للحصول على الجرعات التي يطلبها جسمه ، فيبدأ بالسرقة وينتهي بالقتل والسجن. إذن الإدمان حسب ذلك الوصف يعد حالة متقطعة تحدث آثار نفسية وفسيولوجية عصبية في الإنسان، والحل الأمثل لعلاج هذه الحالة برمتها يتلخص في كيف يتم توجيه هؤلاء الشباب إلى عدم التفكير في المحاولة الأولى لتجربة المخدرات، وهذا الحل هو ما يدعى بالوقاية.
الوقاية من الإدمان، كما من الكثير من الأمراض الإجتماعية الأخرى، تبدأ من داخل البيت كوحدة مكانية ومعنوية يعيش فيها الفرد أطول فترات حياته ويستمد منها أكثر المفاهيم السلوكية والأخلاقية أهمية في حياة المجتمعات بشكل عام. وهنا يؤكد الدكتور صادق إن مجتمعاتنا التي فقدت مفهوم أهمية تواجد وترابط أفراد العائلة يجب أن تعيد تقييم مفاهيمها من جديد لمعرفة الأضرار التي تسببت بها المفاهيم الجديدة. وأهم ما يجب مراجعته هو ضرورة ترتيب الكم الزمني لتواجد الأب والأم جسدياً في المنزل مع أبنائهم وبناتهم إضافة للنوع الزمني لتواجدهم الجسدي والمعنوي معاً، إذ هناك علاقة كبرى بين الحجم الزمني لتواجد الأب والأم مع الأطفال ، وتوزيع الأدوار بين أفراد العائلة، وإجتماع العائلة كلها على وجبة طعام واحدة على الأقل في اليوم، وبين التقليل من نسبة التعرض للمخدرات.

إنها ظاهرة تستحق الإشادة والتمعن والدراسة... تلك الظاهرة التي اتضحت صورتها في العراق بعد المذابح البشعة في كربلاء والكاظمية، المذابح التي عوضاً عن أن تتسبب في حرب طائفية طاحنة، حسب ما كان مخطط لها من قِبَل منفذيها، أدت إلى تحقيق لحمة وطنية متجددة بين جميع أفراد الشعب العراقي المسلم من أبناء الطائفتين السنة والشيعة (عدا افراد وميليشيات مجلس الحكم)، فلم تتحقق أهداف مرتكبي تلك الجريمة، مما يعطي مؤشراً واضحاً وجلياً على عمق وعي وثقافة ووطنية الشعب العراقي في إدارة البلاد في وقت الأزمات.