يعتمد أساس البناء العولمي في النظام العالمي الجديد على تغيير جميع المفاهيم القديمة المتعلقة بالجزئية الوطنية لتتحول إلى علاقات ومفاهيم العالمية ، أي هي في مجملها عملية تحول الرأسمالية الوطنية إلى رأسمالية عالمية ، وتحول الشركات الوطنية إلى شركات متعددة الجنسيات إي شركات عالمية ، كما يجب أن تتحول المناهج والثقافة الوطنية إلى مناهج وثقافة عالمية تخلو من النزعة الوطنية وكل ما له علاقة بالتراث والحضارة والتاريخ الوطني .

كلما شاهدت الجنرال الأمريكي الصهيوني جارنر وهو يجوب العراق من جنوبه إلى شماله ، وكلما شاهدت وزير الدفاع الأمريكي اليميني المتطرف رامسفيلد بإبتسامته الميتة وهو محاط بدرع من العسكريين الأمريكيين يخطو على الأرض العراقية ، أكاد أفقد عقلي . هكذا تتحدى الإمبراطورية الأمريكية الجديدة المشاعر العربية بدون أدنى إعتبار لتاريخ هذه الأمة ومطالبها ، وهكذا سوف يعلموننا ما يدعى بالديمقراطية من خلف الأسلاك الشائكة ، وبالإذلال ، وبحوار البنادق والرشاشات ، والسيطرة على العراق بآلاف الدبابات والمدرعات ، وقصف المساجد ، وتدمير تاريخ وحضارة العراق وجميع المعالم والبنية التحتية العراقية بحجة إنها مقتنيات صدام حسين ويجب أن تدمر ، وبالجدال الدائر حول تشكيل الحكومة العراقية على أساس طائفي وأثني بعد أن كان الجدال العراقي الدائم هو المطالبة بالتعددية وبمشاركة جميع الأطياف السياسية التي اشترك فيها العراقيون بجميع مذاهبهم وانتماءاتهم بنفس الروح الوطنية على مدار العصور.

المتتبع لشئون منطقة الشرق الأوسط ، خلال جيل كامل منذ حرب 1973، يستطيع أن يعطي مؤشرات وأدلة كثيرة على إن الأحداث التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط اليوم ، ليست وليدة عهد جورج بوش (الإبن)، وإن المؤسسات السياسية الأمريكية لم تبدأ في وضع وتنفيذ مخططاتها للشرق الأوسط ، فقط منذ بداية إدارة بوش (الإبن)، أي منذ ما يقل عن عامين ، إذ إن هذه المخططات والاستراتيجيات التي تم وضعها في وقت سابق بدأت خيوطها العملية تتضح في أزمة الخليج في عام 1990، وبالحرب البشعة التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد العراق في عام 1991.

فور الانتهاء من الاستعمار القديم في العالم بشكل عام وفي الوطن العربي بشكل خاص ، بدأت تتشكل معالم الاستعمار الجديد ، في ظل الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي (سابقاً) في الفترة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى عام 1990 . بدأ تشكل الاستعمار الجديد في ظل الإنتشار الاستراتيجي العسكري للولايات المتحدة الأمريكية في مختلف بقاع العالم من خلال تمركز قواعدها العسكرية ونشر خبرائها ومنظزمة اسلحتها واساطيلها في مناطق نفوذها والأمتداد لمناطق نفوذ استراتيجية جديدة