كان القرن العشرون الفترة الأكثر وحشية في تاريخ البشرية، حيث عاش العرب، والعالم الثالث، جميع صنوف الاضطهاد والوحشية الاستعمارية، فكان أكثر الفترات الاستعمارية ظلماً واضطهاداً لشعوب العالم الثالث، وكان ذروة الإبتزاز والنهب الاستعماري لثرواتها؛ وأكثر فترات التاريخ ربحاً وإدراراً للثروات على القارة الأوروبية، بل على الجزء الغربي من العالم، وبتلك الثروات المنهوبة بنى الأوروبيون حضارتهم الصناعية الكبرى، لتبقى للأزل ولا تغيب عنها الشمس.

رغم صعوبة توحيد قراءة السياسات الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي ككتلة موحدة، إلا أن المتغيرات في السياسات الخارجية الخليجية مجتمعة أو فرادا، وبالتحديد منذ فترة عزلة الكوفيد حتى عودة العلاقات العربية السورية مع القمة العربية في جدة/ المملكة العربية السعودية (مايو 2023)، تشير إلى بدء خروج المنطقة من النفق الأمريكي المظلم الذي زُجت به دول الخليج العربي بعد الحرب الباردة، وبعد أحداث 11 سبتمبر؛ وخصوصاً منذ ما بعد الغزو والاحتلال العسكري الأمريكي للعراق.

مضى عشرون عاماً، منذ مارس 2003، على الغزو والاحتلال الأنجلوأمريكي للعراق، وعلى خروج العراق من معادلة الأمن القومي الاستراتيجي العربي عموماً والخليجي خصوصاً، وانتقاله من دولة في مقدمة الدول النامية، غنية وذات قوة مهابة، إلى دولة متخلفة فقيرة، مدمرة، هزيلة، تسودها الميليشيات وينخر الفساد في كل مفاصلها؛ بلا سيادة ولا إرادة، بل تعيش تحت سطوة أعدائها التاريخيون، واشنطن- طهران- تل أبيب، في مشهد سياسي هو الأقذر على مدار التاريخ الحديث... مشهد يثبت يومياً عدم عدالة القانون الدولي (إن وجد)، ومدى بشاعة العلاقات الدولية، ولاإنسانية الهيمنة الغربية، ووحشية القوة الأمريكية، وخطرها الدموي التدميري على البشرية.
على مدار العقدين المذكورين كان الإصرار على استمرار تدمير العراق، والتقهقر السياسي والأمني المتسارع في العالم العربي، من ضمن أهم المؤشرات التي تؤكد على أن كل ما حصل للعراق قد تم بإرادة وتخطيط واعداد ومنهجية مدروسة، ومضمونة النتائج، وبسبق الإصرار والتعمد؛ أي إن خطة تدمير العراق وتحويله إلى دولة محطمة فقيرة تحكمه العصابات، كانت مُعِدّةً قبل الغزو، وبدأ تنفيذها بعد الاحتلال، لتحقيق مصالح أمريكية جيوسياسية ذات أهمية قصوى في الصراع على نشوء نظام دولي جديد.

قدمت الكاتبة هذه الورقة الموجزة في منتدى أصيلة، 21-23 أكتوبر 2022، الذي عقد تحت شعار المسألة الشرقية الجديدة، لتأخذ هذه الورقة عنواناً خاصاً حول "جهود دول الخليج العربي في ترميم وإعادة بناء النظام الإقليمي العربي الذي يصب بالتالي في إعادة بناء المنظومة الأكبر وهو النظام الدولي الذي بدأت تتشكل ملامحه بوضوح أكثر منذ بداية الحرب الأوكرانية الروسية؛ ولازال الصراع قائماً بين الشرق والغرب، عسكرياً وسياسياً وثقافياً وحضارياً، حتى ينتصر الأقوى، ويبزغ النظام الدولي الجديد، لتسود قيمه وقوته على العالم.