لطالما كانت الخصال الإنسانية الحميدة من أساسيات تربيتنا العربية في البيت والمدرسة وفي السوق والشارع...
والوفاء هو أحد أهم تلك الخصال التي من دونها يفقد الإنسان جزءا كبيرا من إنسانيته ويتحول إلى ماكينة وأداة تشتغلٌّ وتَستغِل وتُستَغَل...
بالوفاء يكون الإنسان إنساناً، ومن دونه يكون كائناً حياً أجوفاً فاقداً الكثير من المشاعر النبيلة والحس العاطفي الذي يُشبع غريزة إنسانيته...

اعتقدنا بأننا كعرب، بعد كل سنوات الاستعمار الطويلة، منذ ما قبل وبعد اتفاقية سايكس بيكو، واحتلال فلسطين، اعتقدنا بأننا «خير أمة» فهمت الاستعمار الغربي وعقليته المراوغة، وخطابه الكاذب، وقوانينه المجحفة، وسياساته الظالمة في بلادنا وفي مختلف بلاد العالم الثالث؛ إلا أنه يجب أن نعترف بأن أحداث القرن الواحد والعشرين، ونحن لا نزال في عقده الثاني، تثبت كل يوم بأننا مازلنا لم نفهم هذا الاستعمار الذي يتطور توحشًا في ممارساته وخبثًا في خطابه... هذا الاستعمار الذي نجح في شيطنتنا حتى أصبحنا نقول عن أنفسنا «نعم نحن إرهابيون ونستحق العقاب»، فاستسلم الغالبية منا لمشروع التقسيم والتفتيت للخلاص من العقاب والبطش الدموي.

يعد موضوع المرأة العربية أحد المرتكزات المستخدمة في تشويه صورة العرب الحضارية عبر التاريخ، وكثر استخدامه بتطرف مع بدء تنفيذ مشروع التغيير الجيواستراتيجي القسري الدموي في الشرق الأوسط، الذي تزامن مع بداية الألفية الجديدة، ليصبح أحد المواضيع الأكثر تطرفًا وخطرًا للتأكيد على ادعاءات لاديمقراطية العرب وعدم التزامهم بمبادئ حقوق الإنسان بما فيها حقوق المرأة.

يقال إن «التاريخ لا يعيد نفسه»، إنما الواقع يؤكد بأنه يعيد نفسه ولكن البشر ينسَوْن؛ فالذاكرة البشرية تتذكر ما يكتبه المنتصرون، أما الحقائق التي لا يؤرخها ذلك المنتصر فإنها تختفي كزبد البحر. كما أن الذاكرة الحية للبشر قصيرة، ومحددة بعمر الجيل الواحد، فلا تتسع الذاكرة البشرية لتخزين الكثير من التاريخ، فالجديد دائمًا ينسخ القديم، والأولون يموتون وتُدفن معهم الحقيقة، وأجيالهم اللاحقة تنسى... نعم، بكل بساطة ينسى البشر التاريخ الذي لم يعيشوه وهم في غمرة الحياة والتطلع نحو المستقبل والسير في رَكب المنتصر، وفي غمرة أحداث مهولة جديدة، يقف التاريخ عندها مشدوهًا من شدة الهول.
واليوم يقف تاريخ العرب من دون حراك، أمام هول وحجم الدمار المستمر وحروب الإبادة الدموية التي فاقت الحروب العالمية دمويةً.
وسنكتشف بعد عدد من السنوات، لن تكون طويلة، أن تاريخ العرب توقف هناك، عند عام 2003. فما بعده لن يكون تاريخهم، وسيكتبه المنتصرون، أولئك الذين رسموا وخططوا وأبادوا الشعوب العربية، وثقافاتها، واستبدلوها بشعوب وثقافات أخرى... سنكتشف حينها بأن الحالة العربية اليوم تعبّر بامتياز عن حالة «الفوضى الخلاقة» التي رسمها آخرون للمنطقة.