في الذكرى الثالثة عشرة للغزو والاحتلال الأمريكي للعراق، وفي محاولة لإنعاش الذاكرة الإنسانية والأخلاقية المفقودة في خضم الفوضى العارمة التي تجتاح حال العرب، سأحاول في هذا المقال إعادة نشر بعض ما تم نشره، مراراً وتكراراً، حول مدى اللاعدالة واللاإنسانية التي تعاملت بها الأمم المتحدة ومجلس الأمن مع الشعب العراقي، في... انتهاك صارخ لجميع المواثيق الإنسانية الدولية، باعتراف أحد أكبر العاملين بهذه المنظمة الأممية، عبر عقوبات كانت تستهدف إعدام العراق، وجعله قابلاً للغزو والاحتلال والاستعمار.

سألني صديق عربي، ذو منصب أممي رفيع، عن أزمة من الأزمات العديدة في منطقتنا، وإن كان هناك مؤشر على نهايتها، فلم يتأخر ردي لحظة واحدة، وكان جوابي «لا... شخصيًّا لا أرى مؤشرات حتى الآن، ولا اعتقد أنها ستنتهي في الأجل المنظور، وإن انتهت في شكلها الحالي ستبقى تبعاتها في شكل... أزمة أخرى، ولربما بنزيف مستمر، أي إنها كالأخريات، أزمة تَلِدُ أخرى.....»، وأبدى صديقي استغرابًا شديدًا، فسألني فورًا «ولماذا برأيك؟؟»، فأجبته فورًا: «لأننا في منطقة قوس الأزمات التي رسمها ونَظّر لها، زبغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، في منتصف سبعينيات القرن الماضي... وأرجو أن ترجع بذاكرتك إلى الوراء، واقرأ أحداث المنطقة منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا، وتذكّر الأزمات المتتابعة التي عشناها، وقل لي، هل حُلّت أزمة واحدة منها؟... أؤكد لك أنك ستنتقل بين أزمات لم تنته وأزمات انتهت في شكلها بعد أن وَلّدَتْ أزمة أخرى... وهكذا.... فمن أين تريدني أن أبدأ؟ هل أبدأ من أزمة الحرب الأهلية في لبنان التي بدأت في منتصف السبعينيات واستمرت 15 عامًا وخلقت أزمة أكبر منها (حزب الله) قبل أن تنتهي في بداية التسعينيات، أم من الحرب الإيرانية العراقية التي بدأت في بداية الثمانينيات واستمرت ثماني سنوات، ولكنها لم تنته حتى اليوم، أَم.......». ومن هنا سأبدأ مقالي الذي اختصرت بعضه شفويا لصديقي العربي.

لم يعد خافياً أن دولنا الخليجية تعيش «حرب» أسعار النفط المفروضة بالإكراه منذ أكتوبر 2014، وإن المنطقة مهددة اليوم في عمودها الفقري الاقتصادي، ومورد الرخاء والرفاه الذي تعيشه شعوبها... هذا الرفاه الذي بات نمط حياة عالي المعايير، منذ أكثر من نصف قرن، وبالتحديد مع طفرة سعر النفط في منتصف سبعينيات القرن الماضي، بعد حرب أكتوبر 1973، وتحوُّل هذا السائل الأسود إلى ذهب له علومه، وكارتلاته، واقتصاداته، وبورصاته، ونشراته الإخبارية، وبات وريد الحياة في بلداننا، ومحط أطماع دول كبرى تضحي من أجله في حروب واحتلالات للسيطرة على منابعه ومنافذه وطرق امداداته.

يقول المؤرخ العربي تيسير خلف «قد يكون العرب هم الأمة الوحيدة التي تُدَرّس تاريخها لأبنائها كما كتبه أعداؤها القوميون والعقائديون. فالحقبة التي تسمى الجاهلية، هي تاريخ العرب ما قبل الرسالة المحمدية، والحقبة التي تسمى صدر الإسلام، أي سيرة الرسول الكريم والخلافة الراشدة والدولة الأموية، كُتبت كلها وصيغت بناءً على الصورة التي كرّستها مؤلفات الإخباريين الفرس المسلمين القائمة على فكرة التفوق الحضاري الفارسي مقابل البربرية العربية الموصومة بالبداوة والسلب والنهب».