النظام الديني وعلى رأسه الإسلام الحنيف يتطلع إلى آفاق حياته الروحية وفي ضوء هذا كان يتولى توجيه عواطف الناس وفق شعائر معينة كما ذكرنا مأخوذة من الكتاب والسنة اللذين حددا التعدد ضمن شروط العدالة الاجتماعية ضمن نظام تربوي يقوم بتنشئة الأفراد في ضوء تراث ثقافي مشترك وإكساب النشء المعارف وطرائق العمل، والخبرة في التعامل مع تقنيات العصر والمساهمة في تطويرها.
أولى مؤسسات النظام التربوي:
1- معروف أنها "الأسرة" فهي تمثل النظام الأسري.
2 - النظام الاقتصادي بما يقوم به من انفاق في هذا المجال.
3 - النظام الديني بما يقوم به من توجيه وإرشاد للنشء وفق معالم الدين والعشرة والحقوق والواجبات.
4 - المدرسية وهي تلي الأسرة في القيام بوظيفة هذا النظام.

تقدم أن الإنسان لا يمكن إلا أن يعيش ضمن المجتمع ليتفاعل معه في مجال حياته التربوية فلنعرف ما هو المجتمع ضمن سباقات التعريف له من قبل العلماء فقالوا:
أ - المجتمع هو مجموعة منتظمة من الناس تتبع أسلوبا معينا في الحياة.
ب - المجتمع هو الإطار العام الذي يوجه العلاقات التي تقوم بين الأفراد أو الجماعات المنطوية تحت هذا الإطار.
ج - المجتمع هو مجموعة الأفراد التي تعيش في بيئة محددة وتترابط مع بعضها من خلال مؤسسات تنظم علاقاتها وتخدم حاجاتها القائمة المنتظرة ويتشكل لدى هذه الجماعة تراث ثقافي مشترك يجعلهم يحسون بالانتماء المباشر إلى بعضهم بعضا والولاء لمجتمعهم.

هناك علاقة وثيقة بين التربية والمجتمع، لأن المجتمع هو "الوسط الذي تقوم فيه العملية التربوية"، بما يحتوي من مؤسسات تتولى دور المربي، وبما أن أفراد المجتمع هم الذين تتوجه التربية إلى تنميتهم، سعى الدين الإسلامي إلى تنشئة أفراد صالحين وكلفهم العناية والرعاية بالتربية، قال الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) في هذا: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، فهي أمانة في أعناق أفراد المجتمع، قال تعالى: "قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة"، فالمجتمع الذي لا يعني أهله بالتربية يشتعل بنار الجهل والتخلف قبل نار الآخرة، التي تمس الجاهلين المتخلفين فيكونون وقودا لها مع القيادات الفاشلة الفاسدة التي هي حجارة النار.
لهذا كان لزاما على المجتمع أن يتبنى فلسفة صالحة قويمة ليشتق منها أهداف التربية لتكون استجابة لما يشيع احتياجات المجتمع.
فالمجتمع لا تقوم قواعده ولا يُبني صرحه إلا بالنظام التربوي، لتنعكس ثمرات هذا العمل على المجتمع من خلال تطوير قدرات الأفراد على القيام بأدوارهم الاجتماعية كما صنع النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) في صناعة رجال المجتمع من خلال تربيته المشرقة من القرآن "يتلو عليهم آياته". فالتربية لا تمارس إلا في وسط اجتماعي، لأن عمليتها لا تتم في فراغ بل في ظروف تقوم على تفاعل اجتماعي.

نقل التراث الثقافي له أثر في تحديد وظيفة التربية من جيل إلى جيل فالتاريخ يعيد نفسه، وهو لا يعني حصر وظيفة التربية بعملية الناقل، كما توهمها البعض وادعى أنها تحجب وظائف التربية في تجديد المجتمع، واستثمار ذكاء الأفراد وتنمية أوجه الكمال عندهم، فإن التراث الثقافي ونقله وظيفة مهمة لا تعني ما توهموا لأنه ثمرة جهود مشتركة عبر حقب تاريخية، وهذا يعني أن هذا التراث يخضع للتجربة والفحص والنقد والتنقية.
وهذا لا يعني مخالفة التجديد فإن التجديد لا يتجاهله أحد فإن الثقافة التي لا تتطور لا وجود لها.