مقدمة...
«إن منطقة الشرق الأوسط تتجه نحو المزيد من الفوضى، والحروب بالوكالة، والحرب المباشرة»، كان هذا طرح أكاديمي أوروبي متخصص في العلاقات الدولية، أثناء نقاش دار بيننا، في منتصف مايو 2017، حول الحالة التي تمر بها منطقتنا... لم يفاجئني رأيه، إذ إنه أحد أقرب السيناريوهات المتوقعة في الحال العربي-الدولي الراهن يؤكد العديد من المراقبين الاستراتيجيين، المتخصصين في الدراسات المستقبلية، أن المؤشرات التي بدأت تتراكم خلال الفترة القصيرة الماضية تشبه كثيراً ما مرّ به العالم قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية. ورغم سيادة الاعتقاد بأن الدول النووية لا يمكن أن تدخل في مواجهة عسكرية جديدة، خوفاً من استخدام القوة المدمرة التي لم تكن متوافرة في الحربين العالميتين السابقتين، فإن هناك ارتفاعا ملحوظا في مؤشرات قيام حرب عسكرية، مباشرة أو بالوكالة، بين أقطاب كبرى، قد لا تصل إلى حد المواجهة النووية، ولكن لا يُستبعد استخدام هذا السلاح التدميري الشامل الذي استخدمه الجيش الأمريكي ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية، كما استخدَمَ أنواعا تكتيكية منه ضد العراق في حربي 1991 و2003.

"إن تراكم المعرفة أدى إلى ديناميكية جديدة تسمى التسارع التاريخي وإنك ملزم بأن تفكر مستقبلاً في التغيرات قبل أن تحدث، وإذا انتظرتها كي تحدث فإنك أصبحت جزءًا من العالم الذي حُكم عليه أن يبقى في التبعية، أي يظل تابعًا لمن فكّروا بالتغيرات قبله."
المهدي المنجرة (مفكر مغربي متخصص في الدراسات المستقبلية) تُبنى المنهجية الفكرية للدراسات المستقبلية عبر منظومة التعليم عندما يتم اعتماد العلم كثقافة، لبناء منهجيات فكرية متنوعة. وفي موضوعنا تعتمد الدراسات في تفسير التوقعات السياسية المستقبلية على تفكير غير خطي، وعلى التراكم المعرفي الثقافي، ومجموعة من القواعد العلمية في البحث والتحليل.

يُعتبر العنوان المذكور أعلاه أقرب للصيغة البحثية التي لا تتناسب كثيراً مع صيغة المقال الصحفي، إلا أنني ارتأيت استخدامه لكونه هو العنوان الذي طُلِبَ مني أن أتحدث عنه في كلمتي، التي أخذت شيئاً من الطابع البحثي، في افتتاح منتدى مراكش للأمن (10-11 فبراير 2017)، والتي أوردها هنا بعد محاولة إعادة إخراجها، قدر المستطاع، كمقال سلس يطيب للقارئ الصحفي قراءته.

وضع الأستاذ «سعد القرش»، العنوان المذكور أعلاه تحت عنوان مقاله «المتلاعبون بالعقول»، المنشور في مجلة الجديد (aljadeedmagazine.com) اللندنية (22 نوفمبر 2016)، ومما لا شك فيه إن العنوانين يستفزان الضمير العربي الحي الذي عاش وتمعّنَ في مسلسل أحداث المنطقة منذ أكثر من نصف قرن، منذ بدء المشاريع التنموية الشاملة في بلادنا العربية بعد الاستقلال، حتى بدء مشاريع التغيير الجيوسياسي الشاملة والمدمرة للمنطقة برمتها. اعتمد كاتب المقال في عرض رأيه حول التغييرات المأساوية على واقع التعليم المتردي ببلده، مصر، فلم أجد فيما سرد الكثير من الاختلاف عما حدث للتعليم في منطقة الخليج العربي، وأخص في هذا المقال بلدي، البحرين... ولتفصيل ذلك، وكما اقتبست العنوان، سأحاول هنا تفسير رأيي بذات السياق الذي اتبعه الكاتب في مقاله.