أصبح الوضع العراقي على قدر كبير من التعتيم والتعقيد، كما بات على حافة الإنهيار على مستوى قوات الإحتلال التي باتت تواجه الموت في كل شوارع العراق، فتتحاشى التحرك بين الناس، بينما تعمل قياداتها بالضغط عليها ودفعها إلى معارك دموية مفتوحة ومتواصلة، في قيظ العراق اللاهب، بهدف تحقيق نتائج إيجابية للتخفيف من الضغط الشعبي والسياسي الأمريكي المُطالِب بانسحاب هذه القوات من العراق، وهي نتائج مطلوبة قبل سبتمبر/أيلول القادم، موعد تقديم الرئيس الأمريكي تقريره حول الجبهة العراقية إلى الكونجرس.. أما على المستوى الشعبي فيبدو واضحاً أن أحرار العراق، العاملون تحت الأرض، هم من يحميه من الإنهيار الأمني، ليبقى هذا الشعب قادراً على مواصلة المقاومة التي تزداد قوة وضراوة كل يوم..
ولكن هل يخلو الأعداء والمحتلون من الخطط والمؤامرات التي سيواصلون العمل بها لإنهاء دولة العراق كوجود، وككيان وهوية عربية؟..

لم تهتم وسائل الإعلام في بلاد الغرب يوماً بشأن عربي إلا ضمن استراتيجيات دوائر إستخبارات تلك البلاد.. ولم يتحرك جهاز إعلامي غربي على أمر عربي إلا بأمر من دوائر الغرب الرسمية العاملة باستراتيجيات طويلة المدى في إبقاء منطقتنا العربية بقبضة السيطرة والهيمنة الغربية إلى أن يأتي أمر الله بنفاذ بحور النفط التي نعوم فوقها..
ضمن هذه الحقيقة تعمل أجهزة الغرب الإعلامية، بقيادة هيئة الإذاعة البريطانية ألـ بي بي سي BBC، والأمريكية الـ سي إن إن CNN..

بعد ست سنوات (2001-2007) من سلسلة الحروب المدمرة للبشرية على المستوى الإنساني والأخلاقي والسياسي، والحروب الاستباقية والوقائية، والحرب على الإرهاب، والسجون الطائرة، وممارسات أبشع وسائل التعذيب.. بعد كل هذا التاريخ الحافل بالمآسي البشرية التي لازالت مستمرة على كوكب الأرض بالإرادة واليد الأمريكية والبريطانية، أصدر جورج بوش، يوم الجمعة 20 يوليو 2007، قراراً يأمر وكالة الاستخبارات المركزية (السي آي أيه) والقوات الأمريكية المنتشرة في العالم بالالتزام باتفاقيات جنيف لحقوق الإنسان في ملاحقاتها للأفراد وحروبها ضد الدول والجماعات، وفي سجونها الطائرة والموزعة في أقاصي الأرض وفي الدول الواقعة تحت إحتلالها، وفي ممارسات التحقيق والتعذيب سجونها.. ويأتي هذا القرار ضمن سلسلة من القرارات الأمريكية الصادرة مؤخراً، والتي يعد بها الرئيس جورج بوش ترتيبات انتهاء ولايته وخروجه من البيت الأبيض، من ضمنها قرار الإفراج عن أفواج من المعتقلين في جوانتانامو، والدعوة لعقد اجتماع دولي لحل القضية الفلسطينية، بينما عمق الأزمة الأمريكية في العراق وأفغانستان يعيق إصدار أي قرار يراه الرئيس بوش صالحاً لترتيباته تلك حتى الآن، فلازالت بيوت الدراسات الاستراتيجية تعمل للوصول إلى قرار في هذا الشأن يمكن، كحد أدني، أن يحمي الرئيس الأمريكي ونائبه من الملاحقة والمحاسبة على ما اقترافاه من جرائم حرب خلال السنوات الستة الماضية في هذين البلدين..

لم يأت وزير الخارجية الإيراني بجديد في مؤتمره الصحفي يوم السبت 14 يوليو 2007، ولم يقل غير بعض المراوغات في مناسبة دبلوماسية، وقَبَلَها الجانب البحريني الممثل في سعادة وزير خارجيته دبلوماسياً.. فلم يعد خافياً الأسلوب الإيراني في التلاعب بالتصريحات، التي تأتي من مختلف مواقع صنع القرار في الجمهورية الإسلامية.. فجاء الوزير متقي إلى البحرين ليؤكد حسن العلاقات بين البلدين، وإن وفديهما سيجتمعان لاحقاً في مفاوضات حول التنمية، ولم يتعرض إلى ما صرّح به مستشار المرشد الأعلى الإيراني من إهانات للأنظمة الخليجية وإدعاءات النظام الإيراني بسيادتها على الجزر العربية الإماراتية والبحرين.. وهذه المراوغة، بعدم تحديد الرأي الرسمي الإيراني في ذلك المقال الموتور، تترك الباب مفتوحاً على مصراعيه للتأويلات الإيرانية التي ستستخدم عند اللزوم (أحدث مثال على إسلوب المراوغة واستخدام التأويلات هو كذبة المقابر الجماعية التي رفعت الأحزاب والميليشيات الإيرانية رايتها، لدعم كذبة مظلومية "الشيعة" في العراق التي جاءت بالدستور الضامن لتقسيم العراق) .. فما جاء به الوزير من ردود يعتبرها دبلوماسية، إن إنطلت على البعض، كما روّجت لها أبواق إيران على أرضنا، فإنها لم ولن تنطلي على عاقل.. لقد سمعنا الكثير من الكلام الإيراني المخادع والمناقض لأفعالها وممارساتها، ولن نعفي تصريحات مستشار المرشد الأعلى من أهداف وممارسات وأدوار إيران التوسعية، كما يشهد تاريخ علاقاتها مع العرب.. ولم يعد ينفع تجاهل هذه المخططات الإيرانية، كما لم يعد يفيدنا تجاهل سلوك الدهاء والمكر الذي تمارسه إيران في قضايانا، والذي عملت به خلال السنوات الماضية في خداع بعض الشارع العربي وشراء بعض الأطراف في مجتمعاتنا (راجع حلقتي حوار صحيفة الوطن البحرينية مع مرتضى بدر الذي يعترف بأنه أحد قياديي الجمعية الإسلامية لتحرير البحرين التابعة لإيران)، حتى وصلت إلى احتلال العراق الذي لم ولن يكون نهاية أطماعها..
أما الغمز واللمز الذي جاء في تصريحات سعادة الوزير الإيراني حول عدم تقديم الإعتذار لأنه لا يتوقع اعتذاراً من الحكومة البحرينية "عما ينشر في الصحف البحرينية مثلاً عن إيران"، فإننا نجيب سعادته بأن ما تكتبه الصحافة البحرينية هو سرد تاريخي لكل ممارسات إيران تجاه العرب من عنصرية وعدوانية واحتلالات آخرها هو التعاون الإيراني مع الشيطان الأكبر في احتلال العراق الذي ما انفكت تعترف به أقطاب أركانها (الخامنئي ومستشاره الأبطحي وغيرهما) في المنتديات والصحف، فلم تكتب الصحافة البحرينية كلمة عن ممارسات وسياسات إيران دون الاستشهاد بالتاريخ أولاً، وباعترافات القيادات الإيرانية ثانياً، وبواقع الحال المعاش مع الجارة المسلمة ثالثاً، فهل قامت الدول العربية عموماً والبحرين خصوصاً بجزء من تلك السياسات والأدوار في حق إيران كي تقدّم اعتذاراً يا سعادة الوزير..