"في شرم الشيخ لا حقائق سوى التلفيق, تلفيق الخضرة في قلب الصحراء, تلفيق السلام على تخوم الحرب وانعدام الأمان, تلفيق المصالحة في مهب الخلافات... لأنه «مافيش حاجة هنا ما بتنباعش» حسب تعبير بائع نوبي في سوق الشرم العتيق".
سعاد جروس (كاتبة/صحفية)

لم يخرج مؤتمر شرم الشيخ الأخير حول العراق بأية نتيجة إيجابية لصالح الشعب العراقي الواقع تحت أرذل أنواع الاحتلالات.. وكل ما قيل وأعلن عن مؤتمر الشرم لم يتعدى حدود الشعارات والأكاذيب والدجل، إلا أمر واحد وهو اللقاء الإيراني الأمريكي، والموعد الذي حدده الطرفان للإلتقاء والتفاوض حول مصالحهما بمقايضة العراق...

لم تكن حرب يوليو/تموز 2006 ضد لبنان سوى حلقة في المسلسل المكتوب لهذا البلد، وها هي الحلقة الثانية تلحقها اليوم بتدمير اقتصادها وضرب استقرارها وأمنها وسحبها إلى دائرة الفوضى والدمار كالتي يعيش فيها العراق، وهي ذات الفوضى "الخلاقة" الموصوفة في استراتيجية الشرق الأوسط الكبير (والجديد).. ولأولئك الذين اعتبروا تلك الحرب وليدة لحظتها، وأنها وقعت خارج توقعات الأطراف التي دخلت فيها، نقول إن حلقات مسلسل الدمار اللبناني ستتتالى الواحدة تلو الأخرى وستتكشّف المؤامرة التي لانزال نصر على وجودها بمقدار ما تصر فئات أخرى في مجتمعاتنا على الاستخفاف بها، ونعتها بنظرية وعقلية المؤامرة..
إن لبنان تنتقل إلى حالة الفوضى والدمار والاقتتال الداخلي، الطائفي، على خطى الحالة العراقية، ولكن عبر وسائل مختلفة، لتجاوز سلبيات النموذج العراقي الحائز على أكبر حجم من الكراهية والاستهجان والمقاومة.. فالنموذج اللبناني بدأ الترويح له بحرب بين حزب الله وإسرائيل على أرض لبنان، دمّرت هذه الحرب لبنان وأبقت على حزب الله قوياً.. وأوحت للشارع العربي بانتصار هذا الحزب على إسرائيل لتكسبه قبولاً جماهيرياً وروحياً يفتح أمامه أبواب التمركز في وسط بيروت وتحدي الدولة، فانتقلت "المقاومة اللبنانية" من موقعها المفترض على الحدود ضد إسرائيل إلى قلب لبنان ضد الحكومة اللبنانية، لتُستكمل عملية ضرب الاقتصاد اللبناني، وتدمير لبنان..

أخي الفاضل، أيها الصوت القادم من بغداد الحبيبة، سألتني عن موقفي الفكري تجاه ما يحصل في العراق، سيما وإن الاحداث تتلاحق بما يتطلب وضوحا فكريا وسياسيا للقوى القومية العربية أزاء ما يجري، وها أنا أسطر لك هنا رأيي عسى أن يجيب على بعض من أسئلتك:
إنهم يستنكرون مصطلح الاحتلال الصهيوصفوي، ولهم في استنكارهم رؤى وآراء وأهداف متنوعة لا اعتراض لنا عليها، إلا إن كلها لا ولم ولن تخفي حقيقة ثابتة وهي إن العراق المدمّر اليوم يرزح تحت احتلال قذر لإيران دور فيه يوازي الدور الأمريكي والبريطاني والصهيوني في كل حيثياته التخطيطية والتنفيذية والتدميرية، وتشترك هذه الأطراف الأربعة، الأصدقاء الألداء أو الأعداء الحلفاء، في مصالحها من هذا الاحتلال.. فالشهادات لازالت حية، ولم تتحول لتاريخ بعد، إنها تصدر يومياً، بل لحظة بلحظة، من داخل العراق وبصوت العراقيين القابعين خلف أسوار التعتيم الإعلامي، الإسمنتية والحديدية، التي فشلت في منع وصول صرخات وأنين وآهات هذا الشعب إلى كل أرجاء المعمورة من شدة الوجع وبشاعة هذه الاحتلالات الأربعة الحاقدة المدمّرة المذلة والفاقدة لكل القيم والأعراف الأخلاقية التي يمارسها العسكر في كل حالات السلم والحرب على مدار التاريخ..

هل ترغبون في سماع صوت الشعب العراقي، بعيداً عن دوائر الزيف الثقافي والتشويه الإعلامي.. إذن إقرأوا الرسالة أدناه المعبّرة عن جزء من واقع الحال العراقي الراهن، والتي أرسلها لي أحد قرّائي من بغداد، رداً على بعض من المنظرين والمثقفين العرب، الذين يؤوّل كل منهم هذه الكارثة العربية والإنسانية نحو اتجاهاته الخاصة، عبر المؤتمرات والمقالات والتصريحات الصحفية، وهم جميعاً يتحدثون من خارج دائرة المعاناة.. إليكم ما يقوله العراقيون وهم يتشظون داخل نار المحرقة العراقية، وغداً تقرأون ردي على جزء مما جاء بها:
سيدتي الاستاذة سميرة بنت رجب المحترمه
تحية وتقدير: أعتذر عن عدم قدرتي متابعة مؤتمركم القومي العربي في المنامه بسبب ظروف الطاقة الكهربائية في بغداد وانقطاعها لساعات طويلة وهموم حياتنا اليوميه التي تسمعين عنها.
إلا أني تابعت جزءاً من اللقاء الصحفي الذي عقدته قيادة المؤتمر، وكنت سبق أن قرأت عن خلافات في المؤتمر بخصوص الموضوع الإيراني ولم افهم طبيعة الخلاف إلى أن رأيت السيد السفياني، رئيس مؤتمركم، وهو يرد بحدة وتشنّج على أحد الاسئله بخصوص الموقف الإيراني، بل يتهم كل من يتناول موضوع الخطر الإيراني وكأنه عميل للإمبريالية والصهيونية حتى أنه رفض السماح لأحد الحضور بالتعليق على الموضوع ما حدا بي إلى عدم متابعة المؤتمر الصحفي، وكنت جنابك سيدتي جالسة على المنصة دون تعليق.
سيدتي: أفهم إن إدارة المؤتمرات الصحفية تناط برئيس الجلسة والمؤتمر، ولكن ما لا أفهمه أن يُختصر الصراع الذي تعيشه أمتنا العربية في ظرفها الراهن بالصراع العربي الصهيوني وبالمقاومة اللبنانية، وإن النضال ومرحلة التحرر الوطني الذي يعيشه قطرنا العراقي المناضل يُختصر بل ويُختَزل أحيانا خوفا من التطرق للصراع المذهبي أو الطائفي، سموه ما شئتم انتم المناضلين العرب.