منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، تورطت الولايات المتحدة في عدة حروب نجحت في الإنسحاب منها، بشكل أو بآخر، بعد مواجهتها بقوة المقاومة وتكبدها لخسائر فادحة، سواء خوفاً على جنودها أو على سمعة قادة البيت الأبيض.. ويمكن أن تندرج هذه الحقيقة على حربها في كوريا وبعدها في فيتنام.. ولكن هل يا ترى إنسحابها من العراق سيكون بمستوى تلك الإنسحابات التي جاءت كلها خلال فترة قمة صراع الحرب الباردة التي تميزت بتماسك المنظومة الدولية الغربية في مواجهتها للمنظومة الشيوعية؟..
لم تكن أسباب إعلان أمريكا الحرب على العراق شبيهة لأسباب الحروب التي شنتها سابقاً.. فلم يكن يشكل العراق أي تهديد للأمن الوطني الأمريكي أو المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.. ولم يكن للعراق أية علاقة بما يدعى بـ"الإرهاب" الذي أعلن بوش الحرب ضده بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.. وهذا ما تكشّف للعالم بالدليل القاطع رغم كل الأكاذيب الأمريكية المحبوكة لصرف انتباه الرأي العام العالمي عن هذه الحقائق..

لم يعرف زمن عربي هذا الكم من الاندحار في الوعي والمشاعر والاحساس الوطني كالزمن الذي نعيشه . . فبعد أن كانت هذه الأمة، بأبنائها وشوارعها الرافضة للاستعباد والاذلال تواجه أطماع الغرب المستعمِر والمستعبِد للشعوب وخيراتها، باتت اليوم تواجه أطماع الشرق والغرب، الأكثر إذلالاً واستعباداً ودموية، باستسلام لا شبيه له في تاريخ البشرية، حتى يصل في بعض مفاصله إلى حد التعاون العلني وبافتخار ينضح بالذاتية والدونية . . فنحن نعيش زمن اليمين الأمريكي، ضحالةً وتخاذلاً وخسةً . . بعد أن نجحوا في تشويه وعي جيل عربي وغسله من كل القيم والمُثل والمبادئ العليا التي تميزت بها الثقافة العربية . .
نجح الغرب بامتياز في خلق وعي عربي مسطح، ونجح في دفع هذا القطاع السطحي إلى مقدمة الصورة والحدث، يخفون به الصورة الغالبة للعربي الرافض والمقاوم للمستعمر والمحتل . . ويضيئون الطريق أمام جحفل هؤلاء المتخاذلين وفتحوا لهم الأبواب الموصدة، ليتكلموا وكأنهم كل الوطن، لا بل كل الأمة . .

آخر التقارير الاخبارية لوكالة فرانس برس، من موروني عاصمة جزر القمر، يذكر بأن ستين من علماء السنة، على رأسهم سعيد محمد جيلاني، قاضي قضاة البلاد، تجمعوا يوم الخميس 8 فبراير 2007 في مدرسة قرآنية، في موروني، ودعوا "إلى حظر ممارسة الشعائر الشيعية في الجزر"، ونسبوا هذه الشعائر إلى الأجانب الذين يساعدون على نشر المذهب الشيعي في بلادهم.. وحسب التقرير إن جزر القمر، التي يشكل المسلمون فيها 98% من السكان، شاهدت لأول مرة، هذه الشعائر في عاشوراء الماضي (29 ديسمبر 2006)، وفي هذا عبّر قاضي القضاة عن رأيه بأن "نشر التشيع هو شيء سيء في مجتمع جزر القمر"، مضيفاً إن "ثلاثين شاباً وصبية يتابعون دورات تأهيل في أفريقيا وبعضهم موجود في إيران ويخضعون لدورات تأهيل مع مِنَح بهدف العودة ونشر المذهب الشيعي"، مندداً بالذين يريدون "تغيير القرآن بما في ذلك إضافة سور قرآنية جديدة".. كما طالب العلماء السنة، في ذلك الاجتماع الذي مُنع رسمياً، "بإقفال المنازل التي يتم فيها تدريس الممارسات الشيعية، وطالبوا الرئيس أحمد عبدالله سامبي بحماية الشعائر السنية".

جاءت هذه الحقائق، أدناه، عن دارفور في تقرير لجنة السودان المنبثقة من اجتماع المؤتمر القومي الإسلامي في الدوحة (21-22 ديسمبر 2006)، لتوضيح هذه القضية السودانية التي جعلتها الدوائر الغربية في قمة أولويات الإهتمام الدولي:
تبلغ مساحة إقليم دارفور 510000 (خمسمائة وعشرة آلاف) كيلومتر مربع (أي ما يعادل مساحة العراق تقريباً)، وتقع على حدود مصر وليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى، ويعيش على أرضها خمسة ملايين نسمة، يشكلون 1/6 (سدس سكان السودان)، 65% منهم عرب، وكلهم مسلمون.
يزخر إقليم دارفور السوداني بثروات معدنية هائلة أهمها البترول واليورانيوم والنحاس، كما يزخر بثروة حيوانية كبيرة.
يعيش سكان دارفور العرب على الرعي (رعاة)، والأفارقة على الزراعة (مزارعين)، ويذكر تاريخهم إن صراعات أهلية تحدث بينهم منذ أكثر من مائة عام بسبب شح المياه..