لـغة الاستعمار..
يتناوب المستعمرون أدوارهم في منطقتنا بحيث يحل الواحد منهم مكان الآخر، عندما يصبح هذا الآخر عاجزاً عن القيام بدوره، تيمناً بنظرية ملأ الفراغ قبل أن يملأه جسم آخر يكون خارج إرادة السيطرة والنفوذ الاستعماري.. وهكذا تناوب الغرب الأوروبي والأمريكي على ملأ هذا الفراغ في منطقة الشرق الأوسط خلال القرن العشرين، أثناء تصاعد الحرب الباردة.. وقد انتشر هذا التعبير الاستعماري (ملأ الفراغ) لأول مرة بعد حرب السويس عام 1956، التي عُدّت نتائجها إيذاناً بسقوط أطراف اتفاقية سايكس بيكو، وانسحاب قوى الاستعمار البريطاني الفرنسي من قواعدها في المنطقة العربية (الانسحاب من شرق السويس)، وصعود القوة الأمريكية التي أعلنت بأنها ستملأ الفراغ الاستعماري، الذي سينتج عن ذلك الانسحاب، بدعوى مواجهة المد الشيوعي.. وجاء المستعمر الجديد دون أن يغادرنا المستعمرون القدامى، إذ استمر بينهم صراع واتفاق على منطقتنا.. فبدى التلاطم شديداً في دور إيران (الستينيات والسبعينيات) وعلاقاتها بدول المنطقة، ما بين التبعية الكاملة للسياسة الأمريكية الطامعة في ثروات الخليج، وبين الولاء للإنجليز الذين كانوا يحاولون الحفاظ على مصالحهم في الخليج أمام المارد الأمريكي.. ما بين الولايات المتحدة التي عملت أجهزتها الاستخباراتية على إسقاط إنقلاب محمد مصدّق في العام 1953 وإرجاع الشاه لعرشه، وبين المملكة المتحدة التي أوصلت العائلة البهلوية للسلطة في إيران (انقلاب رضا خان، والد الشاه، بالاتفاق والتعاون مع الانجليز، على العائلة القاجارية الحاكمة في إيران عام 1925).. ما بين القوة الأمريكية التي بدأت تملأ الفراغ وتحل في القواعد الإنجليزية بعد مغادرة الأخيرة للمنطقة، وبين الشركات الإنجليزية المهيمنة على النفط الإيراني (في عربستان).. وأخيراً مالت الكفة الإيرانية للجانب الإمريكي الأقوى، طمعاً في دعمه والاستقواء به على الشعب الإيراني ودول الجوار، حتى باتت الجارة إيران الذراع العسكري لقوى الاستعمار في المنطقة، وحصلت على رتبة "شرطي الخليج" لصالح سيدها الأمريكي..