يكتظ مضمارالسير في عالي يومياً بأعداد كبيرة جداً من هواة السير، وطالبي اللياقة، وأعداد كبيرة من مرضى السكر وأمراض أخرى من المحتاجين بشدة لهذه اللحظات القصيرة من المشي كوسيلة علاجية وصحية. ومستخدمي هذا المضمار يأتون من مدينة عالي ومن مناطق أخرى لعدم توفر هذه التسهيلات في مناطقهم، حيث يعد هذا المضمار هو الوحيد خارج مدينة المنامة المكتظة بالسيارات وبأزمة السير الخانقة طوال ساعات اليوم، ليلاً ونهاراً.
هذا النشاط اليومي الكبير على هذا المضمار المنشأ حديثاً في مدينة عالي، يثبت كم الناس بحاجة لهذه الأماكن المتخصصة لممارسة أنشطتهم الرياضية متعددة الأغراض، والتي يجب أن تمارس في أماكنها المتخصصة لتفادي المشاكل والحوادث التي كثيراً ما تقع عند عبور الشوارع أو بالسير على الارصفة غير المبلطة والمليئة بالحفر والحصى والحجر ، والتي كثيراً ما كانت سبباً في أنواع مختلفة من الحوادث للسيدات، وكبار السن، مما يتوجب بعدها الدخول إلى المستشفى وإجراء عمليات جراحية وعلاجية بتكاليف جديدة لم تكن في الحسبان.

بالرغم من أننا يمكن أن نقول الكثير حول فقدان جميع مدن البحرين لأي طابع معيّن، سواء تراثي أو حداثي يمكن أن يعطي البحرين تمييزاً ظاهراً، كأي دولة أخرى في العالم، وذلك بسبب وجود كل الأنماط السكنية العالمية في كل مناطق البحرين بدون أي رصد للذوق العام أو للمستلزمات الضرورية للبيئة والمناخ، إلا أننا سوف نتغاضى عن ذلك للحديث عن المشاكل الأكثر تأثيراً على الحياة المعيشية للبحرينيين. ونأخذ مثالاً على ذلك مشاكل تخطيط مدينة المنامة ، العاصمة ، حيث أن التخطيط البائس لهذه المدينة حرمها من وجود حي سكني واحد لا تتخلله المحلات التجارية أو السياحية أو الخدمية، بل لا توجد منطقة في العاصمة لا يحتمل أن تتحول سوقاً في أي وقت وبذلك أختلطت الأحياء السكنية بالاسواق التجارية في تداخل مزعج ومعيق للحركة والنشاط اليومي الطبيعي للإنسان أو للتجارة.

يا ترى هل للطابع العمراني في بلد ما تأثير على الطابع السلوكي لأهلها؟ أم الطابع السلوكي هو الذي يعطي العمران طابعه؟
دائماً ما يتبادر إلى ذهني هذا التساؤل عندما أرى هذا الطابع العشوائي لتخطيط المدن في البحرين، وأقارنه بالطابع العشوائي في السلوك المعيشي للبحرينيين، واللذان يتفقان بإفتقادهما للتخطيط السليم والموازي لإحتياجات العائلة والمجتمع والوطن، كما يفتـقدان لأدنى إحتياجات الناس العصرية والضرورية.
وما دمنا بدأنا في الحديث عن مشاكل التخطيط في مدننا وأحيائنا في البحرين، فهناك الكثير مما يمكن بحثه حول المشاكل الظاهرة للعيان بشكل واضح، في تشكيلات ومخططات المدن، سواء في العاصمة المنامة، أو في المدن والقرى القريبة والبعيدة، والتي أصبحت البحرين منتقدة بها على الصعيد الشعبي والسياحي والاقتصادي.

تعيش الأمة العربية اليوم حالة الهزيمة ووأد الأمل التي يراد لهما الاستمرار بهدف القضاء على روح المقاومة والتحدي وكسر إرادة الشعب العربي لتتحقق الهزيمة السياسية كما تحققت الهزيمة العسكرية. إن الهزيمة السياسية تعني تكريس حالة الإحتلال والتبعية الاقتصادية والسياسية وتحويلها إلى قناعة وأمر واقع من خلال خلق أنماط ثقافية وصيغ فكرية تؤكد على سيادة وتفوق الآخر، وهذا ما يحدث في منطقتنا العربية بشتى الوسائل والآليات التي تساهم فيها قوى وآليات عربية ومحلية سواء بعلمها أو بدونه.
إحدى أهم الوسائل المتبعة لتكريس الهزيمة السياسية في الأمة هي عملية تأجيج الخلافات وتضخيمها وإثارة النزاعات المذهبية والفئوية، وبتهميش الثقافة الجادة والقيم الفكرية والأخلاقية وإعتبارها من مخلفات الماضي، وبزرع ثقافة السوق والنجاح الفردي، وبتهميش دور المثقف وتراجع دوره المعرفي، والترويج للثقافة الاستهلاكية السهلة والملفقة، ومحاربة الثقافة الجادة، وتعميم أنماط من الثقافة المجوفة والخالية من أي مضمون بالمسابقات والجوائز والتقديرات، وبتثبيت معايير ومقاييس معينة للعمل الثقافي الخالي من القيم، وبالقضاء على الثقافة الوطنية.