العولمة والهوية القومية - 2
مع ارتفاع وتيرة المذهبية والعصبية الطائفية، وبعد فشل الحركات الإشتراكية من تحقيق أحلامها ، ومسايرةً ورغبةً في الإلتحاق بركب العولمة والنظام العالمي الجديد، ظهرت تلك البوادر التي تطرح حالياً في أوساط اليسار الماركسي العربي، أو من يمكن أن ندعوهم اليوم باليمين الجديد، حول الترويج لمقولة أن الدولة القومية فقدت مبرر وجودها في عصر العولمة وأصبحت عبئاً على الاقتصاد الرأسمالي، وكأن الرأسمالية نجحت في تحقيق ما حلمت به الاشتراكية وعجزت عن تحقيقه. ولكن أصحاب تلك المقولة يتناسون أن الرأسمالية نشأت معولمة من أعماق التجارة الدولية، وأنها مع ذلك عملت على نشوء الدولة القومية والتكتلات الاقتصادية القوية في المراكز الرأسمالية. وكان لتلك الدول القومية والتكتلات الاقتصادية الدور الأساسي في ترسيخ الرأسمالية في المراكز وهيمنتها وسحقها وتفتيتها للأمم والقوميات الأخرى على الأطراف لتتمكن من الهيمنة عليها والقضاء على كل ما يمكن أن يشكل منافسة لها. وهم يتناسون أيضاً كل الحقائق والنظريات التي قيلت وكتبت عن أطوار الإمبريالية، التي بدأت في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، وشهدت تقسيم المراكز الرأسمالية الكبرى بدءاً بالتصدير غير المسبوق في رأس المال، وإنتهاءاً بالتوسع غير المسبوق في بناء الدولة القومية المركزية ونطاق فعلها ونفوذها.