مع ارتفاع وتيرة المذهبية والعصبية الطائفية، وبعد فشل الحركات الإشتراكية من تحقيق أحلامها ، ومسايرةً ورغبةً في الإلتحاق بركب العولمة والنظام العالمي الجديد، ظهرت تلك البوادر التي تطرح حالياً في أوساط اليسار الماركسي العربي، أو من يمكن أن ندعوهم اليوم باليمين الجديد، حول الترويج لمقولة أن الدولة القومية فقدت مبرر وجودها في عصر العولمة وأصبحت عبئاً على الاقتصاد الرأسمالي، وكأن الرأسمالية نجحت في تحقيق ما حلمت به الاشتراكية وعجزت عن تحقيقه. ولكن أصحاب تلك المقولة يتناسون أن الرأسمالية نشأت معولمة من أعماق التجارة الدولية، وأنها مع ذلك عملت على نشوء الدولة القومية والتكتلات الاقتصادية القوية في المراكز الرأسمالية. وكان لتلك الدول القومية والتكتلات الاقتصادية الدور الأساسي في ترسيخ الرأسمالية في المراكز وهيمنتها وسحقها وتفتيتها للأمم والقوميات الأخرى على الأطراف لتتمكن من الهيمنة عليها والقضاء على كل ما يمكن أن يشكل منافسة لها. وهم يتناسون أيضاً كل الحقائق والنظريات التي قيلت وكتبت عن أطوار الإمبريالية، التي بدأت في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، وشهدت تقسيم المراكز الرأسمالية الكبرى بدءاً بالتصدير غير المسبوق في رأس المال، وإنتهاءاً بالتوسع غير المسبوق في بناء الدولة القومية المركزية ونطاق فعلها ونفوذها.

"تبقى قضية التغيير والاصلاح السياسي نسبية قياسا الى الوضع السياسي في الوطن العربي الذي انبنى على متراكمات كثيرة لم تترك فرصة لتنفس ديمقراطي حقيقي ، وقد ينجح البعض في تخطي حاجز الخطر، أو ربما قد تنزلق المنطقة برمتها إلى هوة أميركية". (لهيب عبدالخالق)

لفترة ثلاثة عشر عاماً كان الشعب العراقي يعاني من الحصار الاقتصادي غير المسبوق تاريخياً بدعوة مستمرة وملحة ممن هم اليوم رموز في مجلس الحكم الحالي في العراق، فلم يحاول هؤلاء للحظة واحدة بمقايضة معاناة هذا الشعب مقابل التنازل عن جزء من مصالحهم الشخصية، فهم الأعمدة الأساسية التي وقف عليها ذلك الحصار الجائر على العراق لمدة تزيد على ثلاثة عشر عاماً، إذ نادوا بإستمراره لأن القيادة العراقية ديكتاتورية، وكانت العدالة من وجهة نظرهم بأن يموت نصف الشعب العراقي في سبيل القضاء على نظام الحكم في العراق، بينما كانوا هم ينعمون بتمويل مستمر من الإدارة الأمريكية تسمح لهم برغد العيش في مختلف العواصم الأوروبية . وهم أيضاً من رسم ووضع جميع الترتيبات اللازمة لقيام هذه الحرب البشعة لإحتلال أغنى بقعة أرض في الوطن العربي، في مقابل إشباع جزء من أحلامهم المادية على خراب ودمار العراق. ورغم ذلك فهم لا يعتبرون ما يحدث اليوم في العراق ، والذي يفوق الإحتلال سلباً ونهباً ويفوق الديكتاتورية ظلما ًوقسوةً وإذلالاً، لا يعتبرونه إحتلالاً بل تحريراً وعدلاً ورسماً للديمقراطية يجب مساندته وعدم مقاومته.

في كتابه البحثي بعنوان "التكامل الاقتصادي في الخليج العربي" الصادر في سبعينيات القرن الماضي، يعرّف الدكتور محمد هشام خواجكية التكامل الإقتصادي على أنه "يعني إلغاء كامل أشكال التمييز بين وحدات اقتصادية تنتمي إلى دول مختلفة وإلغاء مختلف صور التفرقة بين الاقتصاديات القطرية"، كما يعطي أمثلة على هذا التكامل الاقتصادي في عمليات منطقة التجارة الحرة، والاتحاد الجمركي، والسوق المشتركة، والاتحاد الاقتصادي، والاتحاد الاقتصادي الشامل. ويتدرج في ذلك التعريف وتلك العمليات ليصل إلى "أن التكامل الاقتصادي يعني الإندماج الكامل بين عدد من الوحدات الاقتصادية، إثنتين فأكثر، وإزالة مظاهر التمييز القائمة فيما بينها وتكوين وحدة اقتصادية جديدة ومتميزة". وهذا يؤدي بالتالي إلى أن عمليات الإنتاج داخل السوق الجديد والكبير لا تتسم بالتكرار والتشابه بل تخطط على أساس تقسيم العمل والتخصص والاستفادة من المميزات النسبية المتوفرة في كل إقليم لصالح الأقاليم المتكاملة أو داخل كل دولة لصالح الدول المتكاملة، وبهذا يؤدي التكامل إلى تلافي تبديد الموارد الذي ينتج عن حالة التنافس المبني على تكرار عمليات الإنتاج عند مستويات غير اقتصادية.