يدور الحديث بين أوساط أخواننا العرب في البحرين، عن ظاهرة جديدة في سلوكيات البحرينيين لم تكن موجودة سابقاً وهي ظاهرة رفضهم للوجود العربي على أرض البحرين سواء أولئك الحاصلين منهم على الجنسية البحرينية وتحولوا إلى مواطنين كاملي الحقوق والواجبات أم أولئك الذين لم يطالبوا بالجنسية ولم يحصلوا عليها، علماً بأنهم جميعاً يملكون كامل الحق في المطالبة والحصول على هذه الجنسية حسب جميع الدساتير والشرائع الدولية، نظراً لظروف إقامتهم الدائمة في البحرين، التي تمتد إلى عقود طويلة، نتيجة لظروف عملهم. كما هم يتذكرون، ونتذكر معهم، إن أهم ما كان يميز البحرين وأهلها هي تلك السمة الجميلة من السماحة وقبول الآخر والإنفتاح والإندماج الإجتماعي بين جميع فئاتها، العربية وغير العربية التي كانت تنزح إلى البحرين لأغراض مختلفة، فما الذي حصل اليوم لكي يتحول هذا الشعب إلى هذا الموقف الرافض للوجود العربي في البحرين، رغم إن لهؤلاء الكثير من الأفضال على البحرين وأهلها.

تهتم المجتمعات المتحضرة إهتماماً بالغاً بدورها في تصنيف شخصياتها الثقافية العامة تصنيفاً دقيقاً، بهدف وضع المعايير السليمة لمنع ظاهرة هرولة هذا النوع من الشخصيات نحو تحقيق مصالح الذات الفردية على حساب مصالح الوطن . لذلك تعلمت تلك المجتمعات، مع الزمن وبشكل جماعي، أن لا تبخس تلك الشخصيات حقها بأقل من قدراتها الحقيقية، وتعلمت كيف تحترم وتشجع الشخصيات المخلصة والمتزنة والمبدعة إبداعاً أصيلاً للإستفادة القصوى من مساهماتها وإبداعاتها في مجالاتها المتخصصة وخدماتها المجتمعية. وفي الجانب الآخر تعلمت تلك المجتمعات أيضاً أن لا تبالغ في إعطاء أنصاف المثقفين، أو مدعي الثقافة والإبداع، أكثر من قيمهم الحقيقية أو رفعهم إلى مواقع عامة دون أي إستحقاق حقيقي ومخلص، لما يمكن أن تشكل هذه الشخصيات من أخطار على المجتمع لعدم إمتلاكها القدرة على تقدير الأثر السلبي لأدوارها على المجتمع، ولإنحسار جل أدوارها في البحث عما يمكن أن يحقق مصالحها ، فقط ، على حساب مصالح المجتمع والوطن بشكل عام. وهكذا أصبحت تلك المجتمعات أكثر صراحة في مواجهة ومحاسبة شخصياتها العامة، كما هي أكثر دقة في تعريف وتقييم تلك الشخصيات ومعرفة مستوياتها الثقافية والتزاماتها تجاه المجتمع، كما أصبحت تعرف كيف ترفع كفة القديرين والمبدعين وكيف تنزل المزيفين من على المنابر العامة.

لا تزال الشعوب العربية بعيدة جداً عن الذهنية الديمقراطية وممارسة الديمقراطية كأفراد وكمجتمعات وكمؤسسات، ولكن في نفس الوقت لا تزال هذه الشعوب لا تملك تلك المبادرات الفكرية الخلاقة نحو معرفة أسباب هذه الظاهرة وطرق ووسائل تغييرها، ولا زلنا غير قادرين على الخروج من دائرة الإدعاء بأن وراء هذه الظاهرة هي الحكومات العربية القمعية، رغم أن الأحداث تثبت لنا كل يوم وفي كل موقع في المنطقة العربية إن هذا الإدعاء غير صحيح، وإننا كأفراد لو كنا نملك الذهنية الديمقراطية لكنا غير مؤهلين لأن تحكمنا حكومات قمعية، كما أننا لو كنا ديمقراطيين لأستطعنا العمل على توحيد جهودنا نحو تغيير واقع أنظمتنا غير الديمقراطية ونحو تحقيق أهداف ومصالح الأمة، وهذا يرجعنا لعكس تلك الإدعاءات، أي إننا كشعوب غير ديمقراطية مؤهلين أن تحكمنا حكومات غير ديمقراطية وإننا يمكن أن نحوّل القيادات الديمقراطية إلى قيادات قمعية من خلال مختلف ممارساتنا وسلوكياتنا التي لا تشكل هماً جديراً بالبحث والدراسة لمختلف أكاديميينا الباحثين والمستغرقين في البحث عن ذواتهم أو مؤسساتنا البحثية التي تدور في نفس الفلك.

كان لإعلان مجلس الحكم العراقي برئاسة أحمد الجلبي لتلك التشريعات عن فتح باب الإستثمار الأجنبي في جميع المشاريع العامة والخاصة في العراق، كان له أثر صدمة خبر الإحتلال على النفس. إنهم يبيعون العراق ومستقبل الشعب العراقي للمستثمرين الأجانب، فماذا بقي من العراق.
لم يكن من المتوقع أن يعجّل أحمد الجلبي في الكشف عن نواياه بهذه السرعة ، ولكن سرعته في إصدار فرمانات الاستثمار الخاصة ببيع العراق على المستثمرين الأجانب، أثبتت أن هذا الرجل لهو في مهمة عاجلة في العراق ، وعليه تنفيذها بأسرع وقت ممكن ما دامت الفرصة بين يديه. لقد أثبت أحمد الجلبي الذي تنتهي مدة رئاسته لمجلس الحكم العراقي الإنتقالي مع نهاية شهر سبتمبر أي يوم الثلاثاء الماضي، أثبت إنه يقوم بمهمة إنهاء العراق والقضاء على كل مصالح الشعب العراقي، وإنه يعمل على وضع تشريعات تمكنه من سرقة موارد العراق وتوزيع الحصص مع شركائه وكأنه يريد أن يضمن إسترجاع تلك الملايين التي صرفها حتى الآن على تدريب حراسه وتأمين سلامته في العراق ، كما يريد أن يحصل على كل ما غلى ثمنه وخف وزنه قبل أن يترك العراق في دماره ويغادر بعد أخذ حصته من الثروات العراقية.