يقول أحد الأخوة العرب المقيمين في البحرين لفترة تزيد على الأربعة عشر عاماً نظراً لعمله في إحدى الهيئات الدولية، يقول بأنه حضر الكثير من فعاليات المعارضة البحرينية، التي تشكل الثقل الرئيسي في المجتمع المدني البحريني، وحسب وجهة نظره يرى أن هذه المؤسسات لا تمارس السياسة وأنما تؤدي نشاطاً ينطوي على نزعات وأهداف مختلفة، ويؤكد إن القائمين على إدارة هذه المؤسسات "لا يعرفون ترتيب الأولويات الوطنية برؤية سياسية، ولا يجيدون وضع خطة عمل علمية لتنفيذ تلك الأولويات بمفهوم هذا العصر، لذلك لا يعد نشاطهم عملاً سياسياً حسب الأسس والمرتكزات الوطنية".

أهم متطلبات الإستراتيجيات الإستعمارية في منطقتنا العربية هو العمل المستمر على خلق أدوات مختلفة لتنفيذ مراحلها المختلفة، وتتنوع هذه الأدوات ما بين أدوات إجتماعية وإقتصادية وسياسية وعسكرية وبشرية، وما يهمنا في هذه المساحة الكتابية البسيطة هو التعرض لتلك الأدوات البشرية التي تخلقها السياسات الإستعمارية وتعاني منها مجتمعاتنا لكونها أدوات هلامية وخطيرة تتغلغل بين الناس لتهيئة الظروف المناسبة والبيئة المطلوبة لتنفيذ تلك الإستراتيجيات، والتي نرى إن من مسئولية المجتمع التصدي لها والكشف العلني عنها أفراداً ومؤسسات، سواء كانت تلك الأدوات عليمة أو غير عليمة بأدوارها الخطيرة.
من أخطر الأدوات الإستعمارية وأكثرها فاعلية، في مجتمعاتنا العربية البسيطة التعليم والمتدنية في وعيها السياسي، هي تلك الأدوات التي يتم تشكيلها من عناصر بشرية تعيش داخل هذه المجتمعات أو منتمية لها كي تكون قادرة على أداء الدور المرسوم لها ومقبولة من أبنائها دون أن تترك مستمسكاً على إنتمائها للإرادة السياسية الأجنبية ، ذلك المستمسك الذي يمكن أن يكون سبباً في ردات فعل شعبية رافضة لممارسات هذه العناصر البشرية أو لتلك السياسات والاستراتيجيات الإستعمارية.

لا يخفى على جميع المخضرمين في العمل السياسي مدى التغيّر في ثوابت هذا العمل إلى درجة إنقلاب بعض تلك الثوابت للوضع المعاكس تماماً، أي إلى درجة أن يتحول ما كان محرماً وما كان يعد من الجرائم الوطنية الكبرى في السابق ليصبح من الثوابت الوطنية في الوقت الحاضر. ولكن رغم ذلك لا يمكن لهؤلاء أن يعتبروا الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الدولة الإمبريالية الكبرى التي إزدادت إمبريالية وطغياناً بعد إنتهاء الحرب الباردة وإنتهاء أسس التوازن الدولي، إن يعتبروا هذه الدولة قادرة أن تكون اليوم مصدر الديمقراطية والعدالة الإجتماعية المنصفة لمصالح الشـعوب في مناطقنا إجمالاً، ومناطقنا تعني دول الجنوب التي تعد دولنا من عدادها رغم كل ما تملك من ثروات تُمَكّنها من أن تتحول إلى جنة من الرفاهية الإقتصادية. وما يجب أن نعلمه ونؤمن به جميعاً إن مصالح هذا النظام الإمبريالي العالمي الجديد لا يمكن أن تتحقق مع تحقيق العدالة والمصالح الوطنية لدولنا ، لأن هذه المصالح متضاربة مع مصالحهم لدينا، إضافة إلى أن هذا النظام الدولي لا يتعامل بمفاهيم الدول الصديقة أو الحليفة، وما هذه المصطلحات في قواميسهم إلا تعابير شفوية مفرغة من معانيها الحقيقية وتستعمل عند الحاجة لكسب ود بعض القيادات والأنظمة التي يعد لها دور مرحلي وشكلي في المخططات

خلال الفترة القريبة الماضية تم طرح وجهات نظر متنوعة حول خطاب جلالة الملك بمناسبة إفتتاح الدورة الثانية للمجلس الوطني بالإضافة إلى خطاب جلالته إلى سمو رئيس الوزراء وخطاب الرد المرسل من سموه واللذين أتيا بنفس المناسبة، وكما هو الحال دائماً، كان التفاوت في وجهات النظر هذه تشكل مثالاً حياً لنظرية رؤية نصف الكأس الملآن والنصف الخالي. لذلك نرى أهمية وضرورة إيجاد المزيد من الفرص لخلق رؤية واقعية حول هذه الخطابات المتبادلة التي ترسم سياسة مستقبلية تعد على جانب من الأهمية للمجتمع البحريني، كما تمثل واقعاً حياً نعيشه جميعاً ولنا الدور الأساسي في المشاركة في تحقيق أركانه سواء سلباً أم إيجاباً، على أن تكون رؤية تجسد النوايا الحسنة والموضوعية والإيجابية بهدف البحث عن نقاط التقاء وليس العكس.