هل يمكن أن يبقى العالم، تحت هيمنة القطب الواحد بدون حدود فاصلة وعادلة ... وإذا قبلت الدول الصغيرة، مغلوبة على أمرها في ظل الإحادية القطبية، بفرض الهيمنة الأمريكية عليها بما تمارسه من رعب عسكري وإقتصادي ، فهل تقبل الدول الكبرى هذا السلوك الأمريكي؟ ... وهل يمكن لأي استعمار أو إحتلال أن يبقى مستعمراً ومحتلاً فقط بما تملكه من قوة عسكرية أي بسلوك القتل والتدمير وبسيادة قانون الغابة، بدون أية قوة حضارية؟ ... يجيب التاريخ البشري على هذه الأسئلة بالنفي الأكيد، إذ لا يمكن أن يبقى العالم تحت هيمنة قوة بطش وقتل وتدمير دون أن تنبثق من خلال هذه القوة عناصر إضعافها وتدميرها ... هكذا يقول التاريخ ...

حقاً إن المقاومة في العراق أصبحت المنفذ الوحيد نحو أمل جديد في ما يمكن أن يتحقق من تغيير في السياسات الإقليمية أو الدولية ...
رغم كل محاولات التعتيم حول هذه المقاومة، أو محاولات تبسيط أمرها وعدم جدواها، أو محاولات الاستهانة بها مبدءً وعدداً وعدة، أو محاولات تشويهها بتسميتها إرهاباً، إلا أن الولايات المتحدة تعلم خير علم، واستناداً على تقارير استخباراتها المركزية وقياداتها الميدانية، إن هذه المقاومة لهي من القوة مما يمكن أن تشكل خطراً واستنزافاً طويل الأمد للولايات المتحدة، داخل وخارج العراق، ما دام هناك جندي أجنبي على أرض العراق ... وإن ثغرة المعلومات التي تعيشها الإدارة الأمريكية حول العراق والمجتمع العراقي كانت ولا تزال من العمق مما لا يمكنها من التصدي لهذه المقاومة ... وإن تنبؤاتهم تؤكد إستمرارية هذه المقاومة وتصاعدها حسب نظم حرب العصابات ... فالمجاهدون لن يخسروا أكثر مما خسروا، وإن بقيت أرواحهم بلا وطن فإنهم يدفعونها في سبيل تحرير هذا الوطن لأبنائهم وأحفادهم ... فيا ترى ما هو موقف العرب، حكومات وشعوب، من هذه المقاومة ... وما هي توقعاتهم وتنبؤاتهم ... وذلك فيما يخص السياسات الإقليمية ... وماذا عن تأثير هذه المقاومة على السياسات الدولية ؟ ...

تحت عنوان "التقانة المستوردة: سلع تُستَهلك لا معرفة تُوَطّن" يذكر تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003 حقيقة هامة لا ينكرها أي عربي ، وهي إن العرب، بشكل أو بآخر، فشلوا في الإبداع العلمي والتكنولوجي كما فشلوا في نقل هذه التكنولوجيا كعلم وتوطينها في الوطن العربي، وكل ما قاموا به خلال العقود النفطية الماضية هو استيراد التكنولوجيا وأحياناً استيراد وسائل إنتهاجها وبناء البنى التحتية الصناعية لإنتاج بعضها دون أن يتمكنوا من إمتلاك وتوطين العلم الذي يؤدي إلى تطوير وتوليد هذه التقانات، مما كان سبباً في إنتفاء الجدوى من هذه المنتجات إقتصادياً نتيجة التقادم لعدم إمتلاكها لإمكانيات التطوير وعدم قدرتها على منافسة المنتجات العالمية المستوردة من الدول المتطورة علمياً والقادرة على تطوير إبتكاراتها وإبداعاتها الصناعية والتقنية.
يضع التقرير هذه الحقيقة، أمام العرب شعوباً وأنظمة، وفي الجانب الآخر يضع معوقات البنية الاجتماعية والاقتصادية التي أدت إلى عدم تمكين العرب من توطين العلوم وإمتلاكها وإبداعها، وما تبع ذلك من عدم التمكن من النجاح والإنتشار في مجال الإبداع العلمي والتكنولوجي، إذ لا يمكن أن لا يكون بين ما يزيد عن ربع مليار عربي، عقول قادرة على إنتاج العلم والإبداع العلمي.

لا يمكن الاستفادة من تجارب الماضي وتفادي أخطائها بدون مراجعة كاملة لتلك التجارب بمستوى عالي من الشفافية وانتقاد الذات ومواجهة النفس ، وخصوصاً عندما تكون آثار وتبعات تلك التجارب وذلك الماضي ذات انعكاسات مستمرة على الحاضر وعلى الشأن العام وله من الاستمرارية ما لا يمكن إنهائه بجرة قلم أو بتصريح عابر حول انتهاء مرحلة وبداية مرحلة جديدة. إن العمل في الشأن العام له من المسئوليات الكبرى ما يحتم التمسك بقواعد وأصول سليمة في مراجعة التجارب العامة والذاتية والكشف عن الأخطاء والإعلان عنها كما يتم الإعلان عن الإنجازات إن وجدت، ليكون حافزاً على نشر ثقافة المساءلة والمحاسبة والنقد الذاتي في المجتمع حسب الأسس والمعايير السليمة.
وبتطبيق هذه الحالة على مختلف القوى السياسية في المنطقة نجد إن هذه القوى ، كما الحكومات العربية، غير قادرة على مراجعة تاريخها أو أسلوب عملها المليء بمختلف أنواع الأخطاء والصراعات والمشاكل على مدى تاريخ يمتد إلى نصف قرن، كما لا تزال تلك القوى الوطنية، التي خرجت من سريتها إلى العمل السياسي العلني منذ ما يقارب الأربع سنوات، تعاني من نفس الأخطاء القديمة التي من الممكن أن تستمر انعكاساتها على العمل السياسي لفترة عقود قادمة إن لم يتم استدراكها ومواجهتها برؤية معاصرة وثوابت تتناسب مع المرحلة الراهنة والأحداث التي تمر بها منطقتنا محلياً وإقليمياً ودولياً.