يبدو جلياً إن الولايات المتحدة، وهي في بدايات طور نشر نفوذها على المناطق المرسومة في استراتيجيتها لبناء إمبراطوريتها في هذا القرن، بدأت تصطدم بجبلين جبارين يمكن أن يكسرا طموحاتها على سفوحهما. فكما اصطدمت السياسة الأمريكية بالجبل الأول في حربها ضد الإسلام في أفغانستان، ومعاناتها المتواصلة، لما يزيد عن العامين حتى الآن، لتلك الحرب المستمرة والمستنزفة لقواها اليومية على الأراضي الأفغانية (رغم التعتيم الإعلامي على الوضع هناك)، فإن هذه الإدارة بدأت، منذ الأول من مايو/أيار 2003، تواجه إصطدام آخر في العراق في مواجهتها اليومية بجبل المقاومة العراقية المتصاعدة قوة وتنظيماً في عملياتها اليومية المستنزفة لإمكانيات قوات الإحتلال بشراً وعتاداً مما مكنها من أن تفرض نفسها على جميع وسائل الإعلام العربية والعالمية رغم كل محاولات الكذب والتلفيق والتعتيم التي تمارسها إدارة الإحتلال في العراق وفي واشنطن ... كما يبدو جلياً أيضاً إن كلا النزيفين غير قابلين للتوقف لعدم امتلاك تلك القوة الدولية العظمى لآليات أو عوامل إيقافهما أو حتى تحديدهما، مما يؤكد إن الولايات المتحدة مقبلة على فترة عصيبة سواء على المستوى الداخلي سياسياً واقتصاديا أو على المستوى الدولي ومواجهتها لآليات الشرعية الدولية.

من الغريب والملفت للإنتباه هذه التراتبية الزمنية للأحداث الجسام التي تمر بها منطقتنا العربية، إذ يأتي كل حدث حسب ترتيبه الزمني المرسوم له ، وبتنظيم شديد، بدءاً بترتيب أوضاع العراق لغزوها وإحتلالها وانتهاءاً، وليس نهايةً، بمخططات زعزعة أمن واستقرار المنطقة بأحداث العنف الغريبة في مخططاتها وأهدافها والمستهدفين بها، والمتسلسلة تسلسلاً زمنياً في أسلوب تصعيدها ، والتي هي جارية على أرض شبه الجزيرة العربية منذ ما بعد إحتلال العراق، والتي تأتي تفجيرات مجمع "المحيا" السكني في الرياض كحلقة من حلقاتها المحكمة التنظيم والترتيب.
ورغم عدم إمتلاكنا للأدلة الدامغة عن منفذي هذه العمليات التي تسميها مختلف الأطراف بالإرهابية (كما لم تملك الإدارة الأمريكية أية أدلة دامغة عن منفذي أحداث 11 سبتمبر/ايلول)، إلا إننا لا يمكن أن نكون بالسذاجة التي تدفعنا إلى تصديق تلك التصريحات الصحفية المتسرعة والمندفعة لإلصاق كل هذه الاحداث بتنظيم القاعدة ، وخصوصاً إننا حتى اليوم لم نتمكن من معرفة حقيقة وجود هذا التنظيم ومدى قوته ومصادر هذه القوة، ولا نملك حوله، حتى اليوم، أية معلومات بخلاف ما تمدنا بها المصادر الأمريكية وأجهزتها المخابراتية.

في معرض رد ساطع الحصري على سؤال المفكر أحمد حسن الزيات "هل الشقاق طع في العرب"، حاول أن يكون أكثر شمولا في بحثه وتشخيصه للاختلافات السياسية فيما بينهم، فبداً بوصف السرعة الخارقة التي انتشر فيها العرب بعد الهجرة النبوية في القارات المعروفة آنذاك، ففتحوا خلال قرن واحد بلاداً اوسع بكثير مما فتحه الرومان خلال ثمانية قرون. فكانت أطراف الأمة الإسلامية ممتدة مع أوائل القرن الثامن الميلادي من أقاصي إفريقيا من جهة، نحو أواسط أوروبا، وإلى أقاصي آسيا من الجهات الأخرى، لذلك كانت عمليات الضبط والسيطرة صعبة جداً نظرا لظروف تلك العصور، ورغم ذلك امتد الحكم العربي على تلك المناطق الشاسعة لفترات طويلة من الزمن طوال التاريخ القديم والوسيط، مقارنة بأية أمبراطورية أخرى في العصور السابقة، علماً بأن انقسام السلطنات والأمبراطوريات الكبيرة وانحلالها إلى اقطاعيات صغيرة كانت من الأمور الطبيعية المألوفة في جميع أنحاء العالم المعروف في تلك العهود.

في العدد 819 من مجلة "الرسالة"، لشهر مارس/آذار 1949، نشر المفكر أحمد حسن الزيات، رسالة في مقال، يوجه فيها سـؤالاً هاماً جداً إلى المفكر القومي العربي سـاطع الحصري، يقول فيه "هل الشقاق طبع في العرب؟" فجاء المقال متناولاً "حوادث الشقاق والتنافس والتخاصم التي توالت في تاريخ العرب" كما استعرض دور "الأحزاب السياسية والفرق الدينية التي ظهرت بينهم ورأي إبن خلدون في هذا المضمار"، وفي نهاية المقال وضع التسـاؤل المحيّر الذي هو اليوم، كما كان بالأمس، شاغل العرب وموضوع جدالهم ونقاشهم وفكاهتهم وهزلهم وهو "هل كتب الله على العرب أن يعيشوا أبداً بطبيعة البادية ونفسية الغابة وعقلية القبيلة ؟"