لمن يريد أن يعرف من الذي قام بإنفجار النجف وإغتيال السيد محمد باقر الحكيم، يجب أن يعرف من المستفيد الأكبر من نشوب حرب طائفية مدمرة في العراق في ظل تصاعد وتيرة المقاومة ضد قوات الإحتلال، ولكي يعرف الجواب على هذا السؤال يجب عليه أن يعرف من كان المستفيد الأول من الحرب الأهلية الطائفية الطاحنة والمدمرة التي استمرت في لبنان لمدة ثمانية عشر عاماً والتي بدأت بحادثة إنفجار مشابهة لهذا الحادث في مارس 1975.
ولمن يريد أن يعرف أيضاً من المستفيد من قيام حرب طائفية مدمرة في العراق، يجب أن يعرف كيف سوف تؤثر هذه الحرب الطائفية على تفتيت مفاصل المقاومة ضد الغزاة في العراق، ومفاصل الوحدة الوطنية العراقية التي كانت على مدار التاريخ الوطني العراقي من أكبر عوامل القوة العراقية ضد مختلف الأطماع الخارجية.

على مدار التاريخ يتم التعرف والحكم على عمق وعراقة وأصالة الحضارات القديمة والحديثة من خلال إبداعاتها الفنية والفلسفية والأدبية التي تعبّر عن الجانب الإنساني الحقيقي لتلك الأمم مع تنوع الحقب والعصور، لهذا تولي المدنيات المتقدمة المعاصرة إهتماماً خاصاً لإنشاء هذه البنية الإنسانية في مجتمعاتها من خلال الإهتمام بالبناء الإبداعي والفني والحضاري. وحيث أن الإبداع والفنون أصبحت مواد علمية تُدَرّس للوصول للإتقان الحسي والجودة العلمية، لذلك تولي تلك المجتمعات إهتماماً خاصاً بالحث على تعليم وتَعَلّم الفنون بمختلف أشكالها، وتدريب الناشئة عليها لتربية وتنمية أذواقهم وأحاسيسهم الجميلة، من خلال المدارس والمعاهد والكليات المتخصصة، ومن خلال المتاحف ودور العرض والمسارح والفعاليات الخاصة بالفنون والفنانين والإبداع الحقيقي الأصيل والمبدعين الأصيلين بمختلف تلاوينهم.

عنوان هذا المقال ليس من عندي بل هو عنوان لمقال نشره الكاتب العراقي عبدالرحمن مجيد الربيعي، في إحدى الصحف العربية، وأرسله لي أحد الأصدقاء مشكوراً بالبريد الإلكتروني، ولم أجد اليوم ما هو أنسب منه لكي ينشر في عمودي هذا، لما يحمل من تعبير صادق وأمين لمشاعر كاتب عربي يتلوع على وطنه، ولما به من تصوير حقيقي ومؤلم لما نعيشه جميعاً من تفتت وضياع بين الطائفية والمذهبية والعشائرية والقبلية والأنانية، ونسيت الأغلبية العظمى منا ما هي الأمة وما هو الوطن.
يقول عبدالرحمن الربيعي في مقاله:
"قبل بدء العدوان واجتياح العراق واحتلاله بتشجيع من بعض ابنائه المتواجدين في امريكا وبريطانيا بشكل خاص اصابني هلع لم أعرفه بعد ان استمعت الى كلمات من حضروا مؤتمرا بلندن لحث امريكا ومعها بريطانيا حتي تقوما بما وعدتاهم به، وتنوبا عنهم في اسقاط النظام واجلاسهم على كراسي الحكم بدون أي تعب أو جهد أو اقناع للشعب الذي سيحكمونه.

تعد التكوينات القومية خارج إطار النظام الرأسمالي المركزي حاجزاً وعائقاً لهيمنة رأس المال المعولم على السوق العالمية، لذلك تنزع العولمة إلى تفتيت الأمم والتكتلات القومية في الأطراف على أسس إثنية وطائفية ضيقة، إذ من الأسهل عليها إدماج الكيانات الإثنية والطائفية الهشة في النظام العولمي من دمج الأمم والتكتلات القومية الكبيرة فيه.
وعلى هذا الأساس كان لتلك القوى الرأسمالية المعولمة دوراً أساسيا في تفتيت الاتحاد السوفييتي ويوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا، كما تسعى إلى تفكيك الهند وأندونيسيا والسعودية والعراق والسودان ومصر والجزائر وغيرها من الدول العربية والإفريقية والآسيوية. وفي الوطن العربي وإفريقيا المفتتين أصلاً، فهذه القوى تسعى إلى المزيد من التفتيت والبلقنة داخل القطر الواحد والإقليم الواحد، يساعدها في ذلك تقاطع أهدافها ومصالحها مع أهداف ومصالح المشروع الصهيوني . لكن نزعة التفتيت القومي في الأطراف لدى تلك الدول القومية المركزية ليست بجديدة إذ إنها مستمرة منذ الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، ضمن نزعات النظام الاستعماري القديم ، وهي تسعى اليوم إلى تفتيت أمم الأطراف وخلق الآليات للحيلولة دون تحقيق وحدتها على أسس تنموية جديدة تنسجم وروح العصر.