يعتمد منَظّري ومهندسي النظام العالمي الجديد ، في تنفيذ استراتيجياتهم في المنطقة العربية، على مجموعة من المقومات السلبية التي ترسخت في المجتمعات العربية بأكملها ، شعوباً وحكومات، وأضعفت من قدراتها السياسية والأمنية بالقدر الذي يسهّل الأمر على القوى الكبرى الخارجية باستهدافها، وإن لم تستدرك هذه المجتمعات شعوباً وحكومات مدى خطورة هذا الوضع الذي تعيشه فإن هذه الاستراتيجيات لن يصعب تنفيذها من خلال إعادة صياغة أنظمتها الحاكمة إلى أنماط جديدة ، تعمل على إمتصاص جزء كبير من غضب الشعوب من جهة، ومن جهة أخرى تكون غير قادرة على تشكيل أية قوة في المستقبل، كما لن تكون قادرة على حماية نفسها ، ويسهل التعامل معها حسب المصالح الاستعمارية وليس المصالح الوطنية للمنطقة، وأكبر مثال على ذلك هو تلك النماذج من

كان المؤتمر العربي الثالث الذي انعقد في بيروت بتاريخ 24-25 أبريل 2003 (بعد اسبوعين فقط من سقوط بغداد) عبارة عن تظاهرة شعبية يمكن أن تعد أكبر تجمع شعبي عربي يضم ممثلين من كل الدول العربية للتعبير عن رفض الإحتلال الأمريكي للعراق ، وقد تجمع في تلك القاعة ، في فندق كراون بلازا ، ما يزيد على 350 شخصية عربية جاءوا من جميع أرجاء الوطن العربي ، من المحيط إلى الخليج ، وبمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية الشعبية.

يعتمد أساس البناء العولمي في النظام العالمي الجديد على تغيير جميع المفاهيم القديمة المتعلقة بالجزئية الوطنية لتتحول إلى علاقات ومفاهيم العالمية ، أي هي في مجملها عملية تحول الرأسمالية الوطنية إلى رأسمالية عالمية ، وتحول الشركات الوطنية إلى شركات متعددة الجنسيات إي شركات عالمية ، كما يجب أن تتحول المناهج والثقافة الوطنية إلى مناهج وثقافة عالمية تخلو من النزعة الوطنية وكل ما له علاقة بالتراث والحضارة والتاريخ الوطني .

كلما شاهدت الجنرال الأمريكي الصهيوني جارنر وهو يجوب العراق من جنوبه إلى شماله ، وكلما شاهدت وزير الدفاع الأمريكي اليميني المتطرف رامسفيلد بإبتسامته الميتة وهو محاط بدرع من العسكريين الأمريكيين يخطو على الأرض العراقية ، أكاد أفقد عقلي . هكذا تتحدى الإمبراطورية الأمريكية الجديدة المشاعر العربية بدون أدنى إعتبار لتاريخ هذه الأمة ومطالبها ، وهكذا سوف يعلموننا ما يدعى بالديمقراطية من خلف الأسلاك الشائكة ، وبالإذلال ، وبحوار البنادق والرشاشات ، والسيطرة على العراق بآلاف الدبابات والمدرعات ، وقصف المساجد ، وتدمير تاريخ وحضارة العراق وجميع المعالم والبنية التحتية العراقية بحجة إنها مقتنيات صدام حسين ويجب أن تدمر ، وبالجدال الدائر حول تشكيل الحكومة العراقية على أساس طائفي وأثني بعد أن كان الجدال العراقي الدائم هو المطالبة بالتعددية وبمشاركة جميع الأطياف السياسية التي اشترك فيها العراقيون بجميع مذاهبهم وانتماءاتهم بنفس الروح الوطنية على مدار العصور.