لأسباب قاهرة وخارجة عن إرادتي لم أتمكن من حضور إجتماع الحوار المفتوح بين الشباب البحريني كطرف، ونائب السفير الأمريكي في البحرين، روبرت فورد ، كطرف آخر، يوم الثلاثاء 29 يوليو 2003، ولكنني حرصت على متابعة ذلك الإجتماع من خلال مختلف الصحف البحرينية ومن خلال بعض الحضور. وفي هذا المجال لا يسعني إلا أن أقف إحتراماً وتقديراً وشكراً لشبابنا البحريني على موقفه الواعي والملتزم بالهم القومي العربي في ذلك الحوار/المواجهة مع السيد فورد ، وهذا هو أملنا من هؤلاء الشباب اللذين تفتحت آفاقهم ونما وعيهم في عصر ثورة تكنولوجيا الإتصالات ، التي توفر لهم من الأخبار والمعلومات ، أكثر بكثير مما يتوفر لذلك الجيل غير المتمكن من إستعمال هذه التكنولوجيا.

أحد أكبر عوامل تقدم اليابان على المستوى الاقتصادي هو سلوكيات العمل، والتي تتلخص في الطريقة المميزة التي يرتبط فيها العامل الياباني بالعمل ، وصاحب العمل ، وأداء العمل. وهذه الطريقة تتلخص في أن ذلك الإرتباط القوي بين العامل والعمل يبدأ من الإنتماء النفسي والولاء العاطفي للعمل، ويصل إلى حد إنتماء جميع أفراد عائلة العامل إلى ذلك العمل وولاءهم إلى صاحب العمل ذاته وإلتزام صاحب العمل بهم بنفس الدرجة، وكل ذلك يربي لدى الأجيال المتعاقبة سلوك الأمانة في أداء العمل والمحافظة على أسراره والإخلاص التام في تطويره وتنميتة ليعم الخير على الفرد وعلى عائلته كما يعم على صاحب العمل والمجتمع بأسره. لذلك يجب أن نعترف بأن هذا السلوك المتبادل بين طرفي العمل، لا يختلف كثيراً عن ممارسة العبادات اليومية ، حيث إن هذا الإخلاص والتفاني والإلتزام التام وهذه القدسية للعمل شبيهة بأداء العبادات التي يوصينا بها الإسلام وجميع الأديان السماوية.

هناك ما يدفعنا للتمعن في بعض الظواهر الأولية للفساد الإداري، الواضحة للعيان وضوح الشمس، والملفتة للتساؤل بما لا يمكن التنكر لها والتعتيم حولها، وعادة ما يكون وضوحها متألقاً في المجتمعات الصغيرة مثل المجتمع البحريني، وهناك ما يدفعنا، في هذا المجال، للتمعن في ظاهرة الرشوة (العمولة) وعلاقتها المباشرة بمظاهر الثراء الفاحش والمفاجئ التي غالباً ما تظهر على الموظفين الكبار في القطاع الحكومي، وبالأخص في القطاعات الخدمية الهامة. هذا الثراء الذي لا يمكن إلا أن يتساءل كل مواطن حول من أين وكيف حدث في غفلة من الزمن، فهل يمكن أن يتحول الموظف الحكومي، حتى لو كان وزيراً، من موقع مالي أقل من بسيط، إلى صاحب أملاك وعقارات وأرصدة مالية بأرقام خيالية، وسكن خاص يشكل ثروة تفوق رقم المليون ويضاهي سكن الملوك. هل هناك إمكانية الوصول إلى الثراء بواسطة الراتب الشهري في فترة زمنية قياسية دون اللجوء إلى أساليب اللف والاحتيال والفساد الإداري.

في عصر التحديات التي باتت تطوق كافة أبعاد حياتنا، لم تعد الحياة تسمح بالسكون أو غرس الرؤوس بالرمال، بل لابد من الديناميكية والتجديد في كل مناحي الإدارة ومواكبة التغيير الفعال.
وإذا كنا كأنظمة وشعوب جادين في ضمان التنمية الشاملة وتهيئة المناخات الصحية، فلابد أن تكون الإدارة والقيادة والسلطة جنباً بجنب مع المجتمع المدني على مستوى التحديات، وأن تتعامل مع رياح التغيير وما تحمله بين طياتها من آمال وأحلام واستعداد للتكيّف مع أحداث التغيير المدروس، والعمل على إحداثه.