يا ترى هل للطابع العمراني في بلد ما تأثير على الطابع السلوكي لأهلها؟ أم الطابع السلوكي هو الذي يعطي العمران طابعه؟
دائماً ما يتبادر إلى ذهني هذا التساؤل عندما أرى هذا الطابع العشوائي لتخطيط المدن في البحرين، وأقارنه بالطابع العشوائي في السلوك المعيشي للبحرينيين، واللذان يتفقان بإفتقادهما للتخطيط السليم والموازي لإحتياجات العائلة والمجتمع والوطن، كما يفتـقدان لأدنى إحتياجات الناس العصرية والضرورية.
وما دمنا بدأنا في الحديث عن مشاكل التخطيط في مدننا وأحيائنا في البحرين، فهناك الكثير مما يمكن بحثه حول المشاكل الظاهرة للعيان بشكل واضح، في تشكيلات ومخططات المدن، سواء في العاصمة المنامة، أو في المدن والقرى القريبة والبعيدة، والتي أصبحت البحرين منتقدة بها على الصعيد الشعبي والسياحي والاقتصادي.

تعيش الأمة العربية اليوم حالة الهزيمة ووأد الأمل التي يراد لهما الاستمرار بهدف القضاء على روح المقاومة والتحدي وكسر إرادة الشعب العربي لتتحقق الهزيمة السياسية كما تحققت الهزيمة العسكرية. إن الهزيمة السياسية تعني تكريس حالة الإحتلال والتبعية الاقتصادية والسياسية وتحويلها إلى قناعة وأمر واقع من خلال خلق أنماط ثقافية وصيغ فكرية تؤكد على سيادة وتفوق الآخر، وهذا ما يحدث في منطقتنا العربية بشتى الوسائل والآليات التي تساهم فيها قوى وآليات عربية ومحلية سواء بعلمها أو بدونه.
إحدى أهم الوسائل المتبعة لتكريس الهزيمة السياسية في الأمة هي عملية تأجيج الخلافات وتضخيمها وإثارة النزاعات المذهبية والفئوية، وبتهميش الثقافة الجادة والقيم الفكرية والأخلاقية وإعتبارها من مخلفات الماضي، وبزرع ثقافة السوق والنجاح الفردي، وبتهميش دور المثقف وتراجع دوره المعرفي، والترويج للثقافة الاستهلاكية السهلة والملفقة، ومحاربة الثقافة الجادة، وتعميم أنماط من الثقافة المجوفة والخالية من أي مضمون بالمسابقات والجوائز والتقديرات، وبتثبيت معايير ومقاييس معينة للعمل الثقافي الخالي من القيم، وبالقضاء على الثقافة الوطنية.

كثيراً ما يتم الحديث عن إشكالية العرب الحقيقية في علاقتهم بالقراءة، حيث الغالبية العربية لا تميل إلى القراءة ولا تمارسها، والأقلية التي تميل وتقدّر القراءة تتوزع بين من يقرأ بشغف وحب للإستزادة المعرفية، ومن بالكاد يوفر لنفسه الوقت الكافي للقراءة، ومن يقرأ ما لا يضيف إليه شيئاً.
أما عن علاقة العرب بالكتابة، وخصوصاً في هذا العصر العربي الرديئ، وبحسب تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002، فهناك تدني شديد في الإنتاج الفكري العربي، إذ تعتبر الكتابة في هذا العصر صناعة إنتاجية لا قيمة لها في الإقتصاديات العربية من ناحية، وما يتم إنتاجه لا يرقى لتلبية متطلبات الحداثة والتنوير والتطوير من ناحية أخرى.

كيف يمكن تحديد دور الإعلامي الجيد والموضوعي عند نقله وتحليله للأخبار والأحداث والمشاهدات، ما بين التزامه الحياد أو تحيزه لآراء أو توجهات مختلفة غالباً ما يكون الإنسان أسيراً لها في مجتمعاتنا. هذا السؤال يطرح نفسه اليوم على العاملين في المجال الإعلامي في البحرين، وخصوصاً في الصحافة، التي تزخر بكفاءات وخلفيات مختلفة، فمنهم من يملك الكفاءة العلمية لهذه المهنة ، ومنهم من شجعه قلمه وقدرته الإنشائية للإلتحاق بها، ومنهم من يعمل بها كمصدر رزق لا يملك لا الكفاءة ولا القلم الإنشائي الجيد بقدر ما يملك من العلاقات والأساليب الملتوية للبقاء في داخل جسم هذا العمل الخطير والحساس، ولكن تشكو الفئات الثلاث، في غالبيتها، من إفتقارها للحِرَفيّة المهنية والعمق الثقافي والبعد المعرفي.
رغم أن هذا الموضوع متعدد الجوانب مما لا يمكن تغطيته في هذا العمود ذو المسـاحة الكتابية البسيطة ، إلا أنني أرى إنه من المناسب أن أبدأ، في عمودي شبه اليومي الأول هذا، بالحديث حول أحد أهم المواصفات الحِرَفيّة للعاملين في المجال الإعلامي الحساس والخطير، من خلال رؤية وطنية ومعرفية ملتزمة.