رغم أن الفساد الإداري يعد أحد أكثر المشكلات التي تواجه السياسة العامة في دول العالم ، وبخاصة النامية منها ، إلا أن نادراً ما تناولته الدراسات ، في مجتمعاتنا العربية ، بشكل علمي وعملي ، إذ يتم التركيز دائماً إما على وصف الظاهرة أو على اسـتعراض أسبابها والمفاهيم المتعلقة بها نظرياً ، أي البحث حول الظاهرة دون الإستناد إلى أرقام وحقائق من واقع الأجهزة الإدارية المختلفة ، ونادراً ما يكون هناك إستعراض لاتجاهات العاملين أو الرأي العام أو القيادات السياسية والإدارية بخصوصها ، وهذا يرجع بالطبع للتعتيم وعدم الكشف عن المعلومات ، وعدم توفر مصادر المعلومات الموثقة واللازمة لإجراء هذا النوع من البحوث والتحليلات ، إضافة إلى أن هذا التعتيم على المعلومات يعد أحد أكثر الآليات المستخدمة في إضعاف قدرات الأجهزة التشريعية في التعمق في قضايا الفساد والإداري وممارسة حق المحاسبة والمساءلة في هذا الشأن.

يعد الفساد الإداري أحد أكثر المشاكل التي تواجه السياسة العامة في القطاعين العام والخاص في دول العالم بشكل عام، وأحد أكبر الآفات السياسية في الدول النامية بشكل خاص.
ويعد الفساد الإداري في عالمنا العربي أحد أكبر أسباب تراجع وتدني الإبداعات البشرية، كما هو السبب الرئيسي في إخراج الكفاءات المخلصة والشريفة والمحترفة إلى خارج دائرة العطاء والتنمية وإحلال العناصر الضعيفة والمتدنية الكفاءة والتأهيل مكانهم، فيكون الناتج هزيلاً وضعيفاً، يدفع ثمنه المواطن العادي الذي لا حول له ولا قوة.
أما في البحرين فيكاد الفساد الإداري أن يقول ها أنا ذا (خذوني) ... إذ لا يمكن لأي إنسان أن يغض الطرف ، حتى لو شاء ذلك ، عن هذه الآفة السياسية المستشرية ، في الأغلبية العظمى من مرافق البحرين الخاصة والعامة ، والتي على مدار عقود من الزمن ، كانت ولا زالت ، عائقاً تنموياً ، كما كانت سبباً من أسباب تدني المستوى التعليمي والمهني والخدمي والتخطيطي بشكل عام ، كما كانت سبباً أساسياً للتسرب البشري والمادي والإخفاقات الكبيرة في مجمل المشاريع الخدمية والعمرانية والإستثمارية ، وسبباً في الكثير من القضايا التي حان الوقت أن يؤدي الإعلام دوره الحقيقي في الكشف عنها بهدف وضع حد لهذه الآفة وللمستفيدين من إستمراريتها دون رقابة أو محاسبة.

يوم السبت 12 يوليو 2003 أعلنت قيادة قوات الإحتلال في العراق ، كأول جرعة من جرعات الديمقراطية التي جاءت بها القوات الأمريكية للشعب العراقي، أعلنت عن تشكيل مجلس أسموه "مجلس الحكم" في العراق. وبكل ديمقراطية شكلوه من مجموعة من العراقيين!! إختاروهم على أسس طائفية وأثنية، وبمعايير أمريكية قائمة على مدى تعاون هذه الشخصيات مع الإدارة والقوات الأمريكية في تسهيل مهمتها لإحتلال العراق، ومدى تعاونهم مع هذا الإحتلال مستقبلاً في سرقة خيرات العراق وتحقيق أحلام الإمبراطورية الأمريكية إنطلاقاً من الأراضي العراقية. فرضي هؤلاء العراقيون الأبطال على أنفسهم أن يكونوا ضمن هذه التشكيلة المشوهة للحكم مكبلين بقيود الفيتو الأمريكي الآمر الناهي على قراراتهم (الوطنية) ليتعلموا ويتنعموا بالديمقراطية الأمريكية.

كنت أنوي الاستكفاء بكتابة عمود واحد في نقد ظاهرة سباق تأسيس المجالس/المنتديات الخاصة التي انتشرت في البحرين مؤخراً، والذي كنت أعتقد بإنه قد يكون كافياً في التلميح إلى سلبيات تلك الظاهرة بهدف التصدي دون نموها واستمراريتها، إلا أنني، ونزولاً على طلب من إتصلوا بي بعد نشر الموضوع يوم الجمعة الماضي، أرجع ثانية للكتابة حول نفس الموضوع ليكون، حسب ما قالوا، رادعاً وكاشفاً لهذه الشخصيات التي تهدف بشكل أساسي للحصول على مكتسبات ذاتية من هذه المجالس أكثر مما يمكن أن تحقق هذه المجالس من إضافة ثقافية إلى المجتمع.