لا تزال الشعوب العربية بعيدة جداً عن الذهنية الديمقراطية وممارسة الديمقراطية كأفراد وكمجتمعات وكمؤسسات، ولكن في نفس الوقت لا تزال هذه الشعوب لا تملك تلك المبادرات الفكرية الخلاقة نحو معرفة أسباب هذه الظاهرة وطرق ووسائل تغييرها، ولا زلنا غير قادرين على الخروج من دائرة الإدعاء بأن وراء هذه الظاهرة هي الحكومات العربية القمعية، رغم أن الأحداث تثبت لنا كل يوم وفي كل موقع في المنطقة العربية إن هذا الإدعاء غير صحيح، وإننا كأفراد لو كنا نملك الذهنية الديمقراطية لكنا غير مؤهلين لأن تحكمنا حكومات قمعية، كما أننا لو كنا ديمقراطيين لأستطعنا العمل على توحيد جهودنا نحو تغيير واقع أنظمتنا غير الديمقراطية ونحو تحقيق أهداف ومصالح الأمة، وهذا يرجعنا لعكس تلك الإدعاءات، أي إننا كشعوب غير ديمقراطية مؤهلين أن تحكمنا حكومات غير ديمقراطية وإننا يمكن أن نحوّل القيادات الديمقراطية إلى قيادات قمعية من خلال مختلف ممارساتنا وسلوكياتنا التي لا تشكل هماً جديراً بالبحث والدراسة لمختلف أكاديميينا الباحثين والمستغرقين في البحث عن ذواتهم أو مؤسساتنا البحثية التي تدور في نفس الفلك.

كان لإعلان مجلس الحكم العراقي برئاسة أحمد الجلبي لتلك التشريعات عن فتح باب الإستثمار الأجنبي في جميع المشاريع العامة والخاصة في العراق، كان له أثر صدمة خبر الإحتلال على النفس. إنهم يبيعون العراق ومستقبل الشعب العراقي للمستثمرين الأجانب، فماذا بقي من العراق.
لم يكن من المتوقع أن يعجّل أحمد الجلبي في الكشف عن نواياه بهذه السرعة ، ولكن سرعته في إصدار فرمانات الاستثمار الخاصة ببيع العراق على المستثمرين الأجانب، أثبتت أن هذا الرجل لهو في مهمة عاجلة في العراق ، وعليه تنفيذها بأسرع وقت ممكن ما دامت الفرصة بين يديه. لقد أثبت أحمد الجلبي الذي تنتهي مدة رئاسته لمجلس الحكم العراقي الإنتقالي مع نهاية شهر سبتمبر أي يوم الثلاثاء الماضي، أثبت إنه يقوم بمهمة إنهاء العراق والقضاء على كل مصالح الشعب العراقي، وإنه يعمل على وضع تشريعات تمكنه من سرقة موارد العراق وتوزيع الحصص مع شركائه وكأنه يريد أن يضمن إسترجاع تلك الملايين التي صرفها حتى الآن على تدريب حراسه وتأمين سلامته في العراق ، كما يريد أن يحصل على كل ما غلى ثمنه وخف وزنه قبل أن يترك العراق في دماره ويغادر بعد أخذ حصته من الثروات العراقية.

بقدر حزننا ومعارضتنا لممارسات السيد حسين الخميني الذي يطالب الأجنبي الأمريكي بأن يحتل بلده بهدف تخليص شعبه من حكومته الإسلامية، وبقدر رفضنا لكل هذه الأنواع من الممارسات التي بكل تأكيد تعد أبغض صور التحالف مع العدو ضد الوطن أي إحدى صور الخيانة العظمى، إلا إننا نرى ضرورة مقارنة هذا الموقف بما حصل للعراق في الأمس القريب.
منذ أيام إستقبلت الإدارة الأمريكية حسين الخميني إستقبال الفاتحين، وهو حفيد آية الله الخميني، ذلك الرمز الذي أسس الجمهورية الإسلامية في إيران وأعطى الولايات المتحدة لقب "الشيطان الأكبر" إشارة لرفضه التام لسياساتها تجاه إيران وغيرها من الدول المسحوقة والواقعة تحت هيمنتها وجبروتها الظالم في العالم الثالث. جاء هذا الإستقبال الحافل للسيد الخميني لأنهم وجدوا فيه ضالتهم، أو صنعوا منه ضالتهم، ليكون تلك اللعبة والأداة الجديدة التي سوف تستغل أبشع إستغلال حيثما وحينما تشاء هذه الإدارة الأمريكية اليمينية لتحقيق مآرابها في إيران ، تلك المآرب التي لن تنتهي إلا بسقوط كامل لأي نظام إيراني يمكن أن يرفض تسليم كامل الأرض الإيرانية وثرواتها للخزانة الأمريكية.

في مثل هذا اليوم، الأثنين، من الأسبوع الماضي، كانت لي فرصة لقاء وحوار متعدد الأبعاد، مع صاحب السمو الشيخ خليفة بين سلمان آل خليفة، رئيس الوزراء، حيث شرفني فيه بتقديره لمساهماتي الصحفية، كما عبر سموه عن إهتمامه الخاص بما أطرحه من خلال كتاباتي في الصحافة البحرينية، وأنا إذ أقدم شكري وإمتناني لإهتمام وحرص سموه على دعمه وتشجيعه لي ولجميع المخلصين والحريصين على مصلحة هذا البلد، إلا إنني أرى إنه من واجبي أن أسرد هنا جزء مما دار من حوار في ذلك اللقاء الذي استمر لفترة تزيد على الساعة مع سموه.
أحد الأبعاد الرئيسية الذي طرحه سمو رئيس الوزراء في ذلك الحوار، والذي أبدى إهتماماً خاصاً في الإستماع لوجهة نظري حوله، كان حول الواقع المحلي وذلك النمط من العمل السياسي الذي لا يزال متمسكاً بتلك الأسس القديمة والقائمة على الرؤية الأحادية الجانب ودون الأخذ في الإعتبار مدى أهمية الأدوار التنموية والاقتصادية والسياسية للوطن، وتلك الأسس القديمة القائمة على اللامبالاة أو عدم القدرة على القراءة الواقعية والسليمة لتلك الأدوار والسياسات الدولية والإقليمية الراهنة والمحيطة بنا، وعدم القدرة على قراءة واقعنا المحلي الصغير كجزء مما يحاك لهذه الأمة وما تعيشه من أحداث، والذي يتطلب رص الصفوف وتوحيد الجهود لدرء أخطارها قدر الإمكان.