رغم كل التعتيم الإعلامي حول ما يجري اليوم في العراق، إلا إن ضخامة حدث إحتلال العراق، وهو قلب الأمة العربية، يجعلنا متابعون لكل ما يجري هناك يوماً بيوم، بل لحظة بلحظة، ومن مختلف المصادر الداخلية والخارجية، حيث إن كل المعلومات الممنوع تداولها من خلال وسائل الإعلام التي هي اليوم تقع تحت طائلة الإرهاب الإمريكي المباشر، يمكن الحصول عليها من وسائل الإتصالات الأخرى، مما يلغي من فعالية وسائل التعتيم الإعلامي في هذا العصر. وعلى هذا الأساس سوف نجيب على سؤال الدكتور محمد الغتم الذي وجهه ضمن أسئلته التسعة إلى البروفيسور أنتوني كوردزمان، والذي يدور حول: ما الذي يجري حقيقة اليوم في العراق؟ ومن هم اللاعبون الحقيقيون؟ وإلى متى ستستمر حالة عدم الاستقرار؟ وإلى أين يتجه العراق ؟

في ندوة نظمها مركز البحرين للدراسات والبحوث، جلسنا مستمعين، لفترة تقارب الساعة، إلى المحلل السياسي والكاتب الأمريكي البروفيسور كوردزمان، على أمل أن نخرج معه بأهم الدروس المستفادة من الحرب على العراق، حسب عنوان الندوة، وإذ بنا نخرج "بخفي حنين"، لأن الدكتور المحاضر لم يذكر أكثر مما يكرره علينا جورج بوش في جميع خطاباته، عن أهمية هذه الحرب للقضاء على الإرهاب والدكتاتورية، وأهمية حصول قوات الإحتلال في العراق على مساعدات من دول العالم عموماً ودول الخليج خصوصاً، وأهمية النظر إلى المستقبل وعدم التفكير في الماضي، وإن (الإرهاب) في هذه المنطقة لا علاقة له بقضية فلسطين بل سببه تلك المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعاني منها المجتمعات العربية لأنها بعيدة عن الديمقراطية التي تنادي بها الولايات المتحدة من خلال إصلاح أنظمة الحكم في هذه المجتمعات والتي سوف تساعدنا الإدارة الأمريكية على تحقيقه.

يبدو جلياً إن الولايات المتحدة، وهي في بدايات طور نشر نفوذها على المناطق المرسومة في استراتيجيتها لبناء إمبراطوريتها في هذا القرن، بدأت تصطدم بجبلين جبارين يمكن أن يكسرا طموحاتها على سفوحهما. فكما اصطدمت السياسة الأمريكية بالجبل الأول في حربها ضد الإسلام في أفغانستان، ومعاناتها المتواصلة، لما يزيد عن العامين حتى الآن، لتلك الحرب المستمرة والمستنزفة لقواها اليومية على الأراضي الأفغانية (رغم التعتيم الإعلامي على الوضع هناك)، فإن هذه الإدارة بدأت، منذ الأول من مايو/أيار 2003، تواجه إصطدام آخر في العراق في مواجهتها اليومية بجبل المقاومة العراقية المتصاعدة قوة وتنظيماً في عملياتها اليومية المستنزفة لإمكانيات قوات الإحتلال بشراً وعتاداً مما مكنها من أن تفرض نفسها على جميع وسائل الإعلام العربية والعالمية رغم كل محاولات الكذب والتلفيق والتعتيم التي تمارسها إدارة الإحتلال في العراق وفي واشنطن ... كما يبدو جلياً أيضاً إن كلا النزيفين غير قابلين للتوقف لعدم امتلاك تلك القوة الدولية العظمى لآليات أو عوامل إيقافهما أو حتى تحديدهما، مما يؤكد إن الولايات المتحدة مقبلة على فترة عصيبة سواء على المستوى الداخلي سياسياً واقتصاديا أو على المستوى الدولي ومواجهتها لآليات الشرعية الدولية.

من الغريب والملفت للإنتباه هذه التراتبية الزمنية للأحداث الجسام التي تمر بها منطقتنا العربية، إذ يأتي كل حدث حسب ترتيبه الزمني المرسوم له ، وبتنظيم شديد، بدءاً بترتيب أوضاع العراق لغزوها وإحتلالها وانتهاءاً، وليس نهايةً، بمخططات زعزعة أمن واستقرار المنطقة بأحداث العنف الغريبة في مخططاتها وأهدافها والمستهدفين بها، والمتسلسلة تسلسلاً زمنياً في أسلوب تصعيدها ، والتي هي جارية على أرض شبه الجزيرة العربية منذ ما بعد إحتلال العراق، والتي تأتي تفجيرات مجمع "المحيا" السكني في الرياض كحلقة من حلقاتها المحكمة التنظيم والترتيب.
ورغم عدم إمتلاكنا للأدلة الدامغة عن منفذي هذه العمليات التي تسميها مختلف الأطراف بالإرهابية (كما لم تملك الإدارة الأمريكية أية أدلة دامغة عن منفذي أحداث 11 سبتمبر/ايلول)، إلا إننا لا يمكن أن نكون بالسذاجة التي تدفعنا إلى تصديق تلك التصريحات الصحفية المتسرعة والمندفعة لإلصاق كل هذه الاحداث بتنظيم القاعدة ، وخصوصاً إننا حتى اليوم لم نتمكن من معرفة حقيقة وجود هذا التنظيم ومدى قوته ومصادر هذه القوة، ولا نملك حوله، حتى اليوم، أية معلومات بخلاف ما تمدنا بها المصادر الأمريكية وأجهزتها المخابراتية.