في معرض رد ساطع الحصري على سؤال المفكر أحمد حسن الزيات "هل الشقاق طع في العرب"، حاول أن يكون أكثر شمولا في بحثه وتشخيصه للاختلافات السياسية فيما بينهم، فبداً بوصف السرعة الخارقة التي انتشر فيها العرب بعد الهجرة النبوية في القارات المعروفة آنذاك، ففتحوا خلال قرن واحد بلاداً اوسع بكثير مما فتحه الرومان خلال ثمانية قرون. فكانت أطراف الأمة الإسلامية ممتدة مع أوائل القرن الثامن الميلادي من أقاصي إفريقيا من جهة، نحو أواسط أوروبا، وإلى أقاصي آسيا من الجهات الأخرى، لذلك كانت عمليات الضبط والسيطرة صعبة جداً نظرا لظروف تلك العصور، ورغم ذلك امتد الحكم العربي على تلك المناطق الشاسعة لفترات طويلة من الزمن طوال التاريخ القديم والوسيط، مقارنة بأية أمبراطورية أخرى في العصور السابقة، علماً بأن انقسام السلطنات والأمبراطوريات الكبيرة وانحلالها إلى اقطاعيات صغيرة كانت من الأمور الطبيعية المألوفة في جميع أنحاء العالم المعروف في تلك العهود.

في العدد 819 من مجلة "الرسالة"، لشهر مارس/آذار 1949، نشر المفكر أحمد حسن الزيات، رسالة في مقال، يوجه فيها سـؤالاً هاماً جداً إلى المفكر القومي العربي سـاطع الحصري، يقول فيه "هل الشقاق طبع في العرب؟" فجاء المقال متناولاً "حوادث الشقاق والتنافس والتخاصم التي توالت في تاريخ العرب" كما استعرض دور "الأحزاب السياسية والفرق الدينية التي ظهرت بينهم ورأي إبن خلدون في هذا المضمار"، وفي نهاية المقال وضع التسـاؤل المحيّر الذي هو اليوم، كما كان بالأمس، شاغل العرب وموضوع جدالهم ونقاشهم وفكاهتهم وهزلهم وهو "هل كتب الله على العرب أن يعيشوا أبداً بطبيعة البادية ونفسية الغابة وعقلية القبيلة ؟"

يقول أحد الأخوة العرب المقيمين في البحرين لفترة تزيد على الأربعة عشر عاماً نظراً لعمله في إحدى الهيئات الدولية، يقول بأنه حضر الكثير من فعاليات المعارضة البحرينية، التي تشكل الثقل الرئيسي في المجتمع المدني البحريني، وحسب وجهة نظره يرى أن هذه المؤسسات لا تمارس السياسة وأنما تؤدي نشاطاً ينطوي على نزعات وأهداف مختلفة، ويؤكد إن القائمين على إدارة هذه المؤسسات "لا يعرفون ترتيب الأولويات الوطنية برؤية سياسية، ولا يجيدون وضع خطة عمل علمية لتنفيذ تلك الأولويات بمفهوم هذا العصر، لذلك لا يعد نشاطهم عملاً سياسياً حسب الأسس والمرتكزات الوطنية".

أهم متطلبات الإستراتيجيات الإستعمارية في منطقتنا العربية هو العمل المستمر على خلق أدوات مختلفة لتنفيذ مراحلها المختلفة، وتتنوع هذه الأدوات ما بين أدوات إجتماعية وإقتصادية وسياسية وعسكرية وبشرية، وما يهمنا في هذه المساحة الكتابية البسيطة هو التعرض لتلك الأدوات البشرية التي تخلقها السياسات الإستعمارية وتعاني منها مجتمعاتنا لكونها أدوات هلامية وخطيرة تتغلغل بين الناس لتهيئة الظروف المناسبة والبيئة المطلوبة لتنفيذ تلك الإستراتيجيات، والتي نرى إن من مسئولية المجتمع التصدي لها والكشف العلني عنها أفراداً ومؤسسات، سواء كانت تلك الأدوات عليمة أو غير عليمة بأدوارها الخطيرة.
من أخطر الأدوات الإستعمارية وأكثرها فاعلية، في مجتمعاتنا العربية البسيطة التعليم والمتدنية في وعيها السياسي، هي تلك الأدوات التي يتم تشكيلها من عناصر بشرية تعيش داخل هذه المجتمعات أو منتمية لها كي تكون قادرة على أداء الدور المرسوم لها ومقبولة من أبنائها دون أن تترك مستمسكاً على إنتمائها للإرادة السياسية الأجنبية ، ذلك المستمسك الذي يمكن أن يكون سبباً في ردات فعل شعبية رافضة لممارسات هذه العناصر البشرية أو لتلك السياسات والاستراتيجيات الإستعمارية.