تحت عنوان "التقانة المستوردة: سلع تُستَهلك لا معرفة تُوَطّن" يذكر تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003 حقيقة هامة لا ينكرها أي عربي ، وهي إن العرب، بشكل أو بآخر، فشلوا في الإبداع العلمي والتكنولوجي كما فشلوا في نقل هذه التكنولوجيا كعلم وتوطينها في الوطن العربي، وكل ما قاموا به خلال العقود النفطية الماضية هو استيراد التكنولوجيا وأحياناً استيراد وسائل إنتهاجها وبناء البنى التحتية الصناعية لإنتاج بعضها دون أن يتمكنوا من إمتلاك وتوطين العلم الذي يؤدي إلى تطوير وتوليد هذه التقانات، مما كان سبباً في إنتفاء الجدوى من هذه المنتجات إقتصادياً نتيجة التقادم لعدم إمتلاكها لإمكانيات التطوير وعدم قدرتها على منافسة المنتجات العالمية المستوردة من الدول المتطورة علمياً والقادرة على تطوير إبتكاراتها وإبداعاتها الصناعية والتقنية.
يضع التقرير هذه الحقيقة، أمام العرب شعوباً وأنظمة، وفي الجانب الآخر يضع معوقات البنية الاجتماعية والاقتصادية التي أدت إلى عدم تمكين العرب من توطين العلوم وإمتلاكها وإبداعها، وما تبع ذلك من عدم التمكن من النجاح والإنتشار في مجال الإبداع العلمي والتكنولوجي، إذ لا يمكن أن لا يكون بين ما يزيد عن ربع مليار عربي، عقول قادرة على إنتاج العلم والإبداع العلمي.

لا يمكن الاستفادة من تجارب الماضي وتفادي أخطائها بدون مراجعة كاملة لتلك التجارب بمستوى عالي من الشفافية وانتقاد الذات ومواجهة النفس ، وخصوصاً عندما تكون آثار وتبعات تلك التجارب وذلك الماضي ذات انعكاسات مستمرة على الحاضر وعلى الشأن العام وله من الاستمرارية ما لا يمكن إنهائه بجرة قلم أو بتصريح عابر حول انتهاء مرحلة وبداية مرحلة جديدة. إن العمل في الشأن العام له من المسئوليات الكبرى ما يحتم التمسك بقواعد وأصول سليمة في مراجعة التجارب العامة والذاتية والكشف عن الأخطاء والإعلان عنها كما يتم الإعلان عن الإنجازات إن وجدت، ليكون حافزاً على نشر ثقافة المساءلة والمحاسبة والنقد الذاتي في المجتمع حسب الأسس والمعايير السليمة.
وبتطبيق هذه الحالة على مختلف القوى السياسية في المنطقة نجد إن هذه القوى ، كما الحكومات العربية، غير قادرة على مراجعة تاريخها أو أسلوب عملها المليء بمختلف أنواع الأخطاء والصراعات والمشاكل على مدى تاريخ يمتد إلى نصف قرن، كما لا تزال تلك القوى الوطنية، التي خرجت من سريتها إلى العمل السياسي العلني منذ ما يقارب الأربع سنوات، تعاني من نفس الأخطاء القديمة التي من الممكن أن تستمر انعكاساتها على العمل السياسي لفترة عقود قادمة إن لم يتم استدراكها ومواجهتها برؤية معاصرة وثوابت تتناسب مع المرحلة الراهنة والأحداث التي تمر بها منطقتنا محلياً وإقليمياً ودولياً.

من مطالعات البريد الإلكتروني المفيدة لهذا الأسبوع، هو ذلك التعريف المختصر لمحتويات كتاب المفكر المغربي الدكتور المهدي المنجرة، والذي جاء في حوار نشرته صحيفة الخليج الإماراتية. وأهمية ذلك الكتاب يأتي لكونه أولا نتاج علمي للدكتور المنجرة وهو عالم متخصص في المستقبليات، وثانياً لأن الكثير مما ذكر في هذا الكتاب قد تحقق حتى الآن.
يقول الدكتور المنجرة إننا كعرب ومسلمون "نعاني من هوة ساحقة بين توقعاتنا والوقائع التي تحصل" وإن هذه الهوة تعني التخلف قبل كل شيئ، فإذا كنا نستغرب من حدوث الوقائع فإن ذلك يعني إننا لا نملك رؤية مستقبلية طويلة المدى ولا حتى متوسطة المدى ولذلك فإننا دائماً نعيش برؤية الآخر واستراتيجيته، وما نعمله هو عبارة عن ردات فعل لتلك الاستراتيجيات، لأننا متخلفون.
نرد أدناه، نصاً، أهم جزء من ذلك الحوار الذي دار حول محتويات الكتاب المذكور، فيما يخص رؤية الكاتب لأسباب الحرب على العراق، التي حددها الدكتور المنجرة في خمسة أسباب:

لتخطي أزمة التنمية الإنسانية في المنطقة العربية توصل تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002 إلى أهمية تجاوز المجتمعات العربية نواقصها الراهنة في إطار إعادة تأسيس ذاتها على بنى أساسية يمكنها من أسباب القوة واستدامة التنمية ، وقد أوجز التقرير هذه النواقص في، أولاً: إحترام الحقوق والحريات الإنسانية بإعتبارها أهم مقومات بناء الحكم الصالح المطلوب لتحقيق التنمية الإنسانية ، ثانياً : تمكين المرأة العربية من خلال توفير جميع الفرص الممكنة من بناء القدرات البشرية ، ثالثاً: تكريس اكتساب المعرفة وتوظيفها بفعالية في بناء القدرات البشرية للوصول إلى حالة الرفاه الإنساني في المنطقة.
وعلى هذا الأساس جاء تقرير التنمية الإنسانية العربية الثاني للعام 2003 ليركز على موضوع بناء مجتمع المعرفة ويختار هذا الموضوع محوراً له ، كما قالت الدكتورة ريما خلف (المدير الإقليمي – لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية)، لكونه "واحداً من ثلاثة عناصر تتضافر في استراتيجية التنمية الإنسانية في الوطن العربي ، وتُؤتي أُكُلُها مجتمعة لا فرادى، والتقدم في إنجاز أي منها يساهم، لا ريب، في الإسراع في تحقيق المتطلبات الأخرى. إذ يصعب نهوض المرأة، كما يتعذر استعادة الحرية وإقامة الحكم الصالح (وهو موضوع تقرير التنمية الإنسانية الثالث) في مجتمعات تُحبس فيها المعرفة".