إن ما يتم تنفيذه في العراق منذ بدء الإحتلال الأمريكي لهو من الخطورة بما يوازي خطورة قوة إنفجار القنبلة الذرية بالنسبة للمنطقة بأسرها، وما يحدث في العراق منذ لحظة تدنيسه بنزول القوات الأمريكية على أراضيه يبعث على الغضب والإشمئزاز كما يثير الحزن والتشاؤم بعد إتضاح الصورة الحقيقية لأهداف ومخططات الإدارة الأمريكية في العراق وتلك الأهداف المعلن عنها تحت مسمى إعادة تشكيل المنطقة بأسرها والتي بدأت تتضح خيوطه بممارسات السياسة الأمريكية مع باقي الدول العربية.
إن ما يحدث في العراق هو تنفيذ للبنود الأولى من الإستراتيجية الأمريكية القائمة على إعادة تشكل المنطقة العربية بأسرها على أسس عرقية وطائفية بحتة، وخصوصاً تلك المناطق القريبة من منابع النفط والدول التي تملك هذه الثروة، بما يتيح سهولة إدارتها ونزف خيراتها تحت مختلف الذرائع والأسباب، بدءاً بمقاومة الإرهاب وانتهاءاً بتدويل مصادر الطاقة ومروراً بنشر الديمقراطية وحقوق الإنسان في هذه المناطق التي تحكمها حكومات غير ديمقراطية.

خلال السنوات العشر الأخيرة برزت بعض الدول الخليجية المجاورة بأدوار إعلامية متميزة، رسمية وخاصة، على مستوى الإعلام المقروء والمرئي والمسموع، رغم أن أدوارها الإعلامية تلك لا تعكس الصورة الحقيقية لواقع النشاط السياسي والثقافي في مجتمعاتها ، ورغم أن هذه الدول لا تمارس حتى الجزء اليسير من تلك الحرية الإعلامية المعلن عنها للعالم الخارجي من خلال منابرها الإعلامية تلك على مستوى سياساتها الداخلية.
ومما يؤسف له في واقعنا البحريني، إنه رغم كل هذا الحراك الثقافي والسياسي النشيط الذي يتميز به المجتمع البحريني على مدار تاريخه المعاصر، ورغم كل ما تحقق للبحرين في مجال الحريات منذ بدء العملية الإصلاحية وحتى اليوم، ورغم ضرورة وأهمية الإعلام كواجهة حضارية في هذا العصر الذي نعيش ومضمونة الفوائد لو أجيد إدارتها، إلا أن البحرين لا تزال بمنأى عن هذا العمل الإعلامي العصري، ولا زالت غير قادرة على أن تأخذ صبغة إعلامية عصرية من خلال منابر إعلامية متميزة، ولا زالت غير قادرة على أن تكون محطة إعلامية مؤهلة للعب الدور الإعلامي القيادي في المنطقة، كما لا زالت غير قادرة على إظهار الصورة الواقعية للنشاط الفكري والثقافي والسياسي البحريني للواجهة الإعلامية.

لمن يريد أن يعرف من الذي قام بإنفجار النجف وإغتيال السيد محمد باقر الحكيم، يجب أن يعرف من المستفيد الأكبر من نشوب حرب طائفية مدمرة في العراق في ظل تصاعد وتيرة المقاومة ضد قوات الإحتلال، ولكي يعرف الجواب على هذا السؤال يجب عليه أن يعرف من كان المستفيد الأول من الحرب الأهلية الطائفية الطاحنة والمدمرة التي استمرت في لبنان لمدة ثمانية عشر عاماً والتي بدأت بحادثة إنفجار مشابهة لهذا الحادث في مارس 1975.
ولمن يريد أن يعرف أيضاً من المستفيد من قيام حرب طائفية مدمرة في العراق، يجب أن يعرف كيف سوف تؤثر هذه الحرب الطائفية على تفتيت مفاصل المقاومة ضد الغزاة في العراق، ومفاصل الوحدة الوطنية العراقية التي كانت على مدار التاريخ الوطني العراقي من أكبر عوامل القوة العراقية ضد مختلف الأطماع الخارجية.

على مدار التاريخ يتم التعرف والحكم على عمق وعراقة وأصالة الحضارات القديمة والحديثة من خلال إبداعاتها الفنية والفلسفية والأدبية التي تعبّر عن الجانب الإنساني الحقيقي لتلك الأمم مع تنوع الحقب والعصور، لهذا تولي المدنيات المتقدمة المعاصرة إهتماماً خاصاً لإنشاء هذه البنية الإنسانية في مجتمعاتها من خلال الإهتمام بالبناء الإبداعي والفني والحضاري. وحيث أن الإبداع والفنون أصبحت مواد علمية تُدَرّس للوصول للإتقان الحسي والجودة العلمية، لذلك تولي تلك المجتمعات إهتماماً خاصاً بالحث على تعليم وتَعَلّم الفنون بمختلف أشكالها، وتدريب الناشئة عليها لتربية وتنمية أذواقهم وأحاسيسهم الجميلة، من خلال المدارس والمعاهد والكليات المتخصصة، ومن خلال المتاحف ودور العرض والمسارح والفعاليات الخاصة بالفنون والفنانين والإبداع الحقيقي الأصيل والمبدعين الأصيلين بمختلف تلاوينهم.