عنوان هذا المقال ليس من عندي بل هو عنوان لمقال نشره الكاتب العراقي عبدالرحمن مجيد الربيعي، في إحدى الصحف العربية، وأرسله لي أحد الأصدقاء مشكوراً بالبريد الإلكتروني، ولم أجد اليوم ما هو أنسب منه لكي ينشر في عمودي هذا، لما يحمل من تعبير صادق وأمين لمشاعر كاتب عربي يتلوع على وطنه، ولما به من تصوير حقيقي ومؤلم لما نعيشه جميعاً من تفتت وضياع بين الطائفية والمذهبية والعشائرية والقبلية والأنانية، ونسيت الأغلبية العظمى منا ما هي الأمة وما هو الوطن.
يقول عبدالرحمن الربيعي في مقاله:
"قبل بدء العدوان واجتياح العراق واحتلاله بتشجيع من بعض ابنائه المتواجدين في امريكا وبريطانيا بشكل خاص اصابني هلع لم أعرفه بعد ان استمعت الى كلمات من حضروا مؤتمرا بلندن لحث امريكا ومعها بريطانيا حتي تقوما بما وعدتاهم به، وتنوبا عنهم في اسقاط النظام واجلاسهم على كراسي الحكم بدون أي تعب أو جهد أو اقناع للشعب الذي سيحكمونه.

تعد التكوينات القومية خارج إطار النظام الرأسمالي المركزي حاجزاً وعائقاً لهيمنة رأس المال المعولم على السوق العالمية، لذلك تنزع العولمة إلى تفتيت الأمم والتكتلات القومية في الأطراف على أسس إثنية وطائفية ضيقة، إذ من الأسهل عليها إدماج الكيانات الإثنية والطائفية الهشة في النظام العولمي من دمج الأمم والتكتلات القومية الكبيرة فيه.
وعلى هذا الأساس كان لتلك القوى الرأسمالية المعولمة دوراً أساسيا في تفتيت الاتحاد السوفييتي ويوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا، كما تسعى إلى تفكيك الهند وأندونيسيا والسعودية والعراق والسودان ومصر والجزائر وغيرها من الدول العربية والإفريقية والآسيوية. وفي الوطن العربي وإفريقيا المفتتين أصلاً، فهذه القوى تسعى إلى المزيد من التفتيت والبلقنة داخل القطر الواحد والإقليم الواحد، يساعدها في ذلك تقاطع أهدافها ومصالحها مع أهداف ومصالح المشروع الصهيوني . لكن نزعة التفتيت القومي في الأطراف لدى تلك الدول القومية المركزية ليست بجديدة إذ إنها مستمرة منذ الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، ضمن نزعات النظام الاستعماري القديم ، وهي تسعى اليوم إلى تفتيت أمم الأطراف وخلق الآليات للحيلولة دون تحقيق وحدتها على أسس تنموية جديدة تنسجم وروح العصر.

مع ارتفاع وتيرة المذهبية والعصبية الطائفية، وبعد فشل الحركات الإشتراكية من تحقيق أحلامها ، ومسايرةً ورغبةً في الإلتحاق بركب العولمة والنظام العالمي الجديد، ظهرت تلك البوادر التي تطرح حالياً في أوساط اليسار الماركسي العربي، أو من يمكن أن ندعوهم اليوم باليمين الجديد، حول الترويج لمقولة أن الدولة القومية فقدت مبرر وجودها في عصر العولمة وأصبحت عبئاً على الاقتصاد الرأسمالي، وكأن الرأسمالية نجحت في تحقيق ما حلمت به الاشتراكية وعجزت عن تحقيقه. ولكن أصحاب تلك المقولة يتناسون أن الرأسمالية نشأت معولمة من أعماق التجارة الدولية، وأنها مع ذلك عملت على نشوء الدولة القومية والتكتلات الاقتصادية القوية في المراكز الرأسمالية. وكان لتلك الدول القومية والتكتلات الاقتصادية الدور الأساسي في ترسيخ الرأسمالية في المراكز وهيمنتها وسحقها وتفتيتها للأمم والقوميات الأخرى على الأطراف لتتمكن من الهيمنة عليها والقضاء على كل ما يمكن أن يشكل منافسة لها. وهم يتناسون أيضاً كل الحقائق والنظريات التي قيلت وكتبت عن أطوار الإمبريالية، التي بدأت في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، وشهدت تقسيم المراكز الرأسمالية الكبرى بدءاً بالتصدير غير المسبوق في رأس المال، وإنتهاءاً بالتوسع غير المسبوق في بناء الدولة القومية المركزية ونطاق فعلها ونفوذها.

"تبقى قضية التغيير والاصلاح السياسي نسبية قياسا الى الوضع السياسي في الوطن العربي الذي انبنى على متراكمات كثيرة لم تترك فرصة لتنفس ديمقراطي حقيقي ، وقد ينجح البعض في تخطي حاجز الخطر، أو ربما قد تنزلق المنطقة برمتها إلى هوة أميركية". (لهيب عبدالخالق)